لماذا ارتفعت معدّلات الجوع والعنف والموت بين اللاجئين عالميًّا؟
أشارت مؤسسة “الرؤية العالمية” في تقريرٌ أطلقته اليوم، إلى “تدهور صارخ على مستوى نوعيّة حياة اللاجئين، وبخاصّةٍ الأطفال منهم، في إحد عشر بلداَ حول العالم خلال السنتين الماضيتين”.
وأجرى التقريرُ وعنوانه “أطفالٌ جياع وغير محميّين: اللاجئون المنسيّون”، دراسة مسحيّة حول اللاجئين والمشرّدين داخليًّا القادمين من بلدان مثل سوريا وجنوب السودان وفنزويلا، وخلُص إلى أنّ 82% منهم عاجزون عن تلبية الاحتياجات الأساسيّة المطلوبة، كالطعام والرعاية الصحيّة أو بدلات الإيجار، من أجل بقاء الأطفال على قيد الحياة. وأفادَ أكثر من ثلث الذين تمّ سؤالهم عن الوضع القائم (35%) بأنّ أطفالهم الذين يُفترض بهم أن ينموا بطريقة سليمة قد خسروا من وزنهم في الأشهر الإثني عشر المنصرمة.
وفي هذا السياق، صرّحَ الرئيس الدولي لمؤسّسة “الرؤية” العالمية مديرها التنفيذي أندرو مورلي: “يعاني الأطفال في البلدان الهشّة حول العالم من موجة جوع قاسية، ويُعدّ الأطفال اللاجئون والمشرّدون داخليًّا من أكثر الفئات المستضعفة. لقد سبق أن ركّزَ طاقمُنا مكاتبه في هذه الأماكن وسرعان ما أخذ بالاستجابة للاحتياجات، إلاّ أنه لا يزال بحاجة ماسّة وطارئة للمزيد من الدعم والتمويل من أجل الاستمرار في مهمّته في إنقاذ حياة هؤلاء الأطفال، في ظلّ الارتفاع الصاروخي لأسعار الأغذية وترنّح المجتمعات على وقع التأثيرات المهلكة للتغيّر المناخي والنزاعات وجائحة كورونا”.
أضاف: “إنّ قصص كلّ فردٍ منهم تُدمي القلب بما فيها الحكايات التي قصّها عليّ فتيان وفتيات هجروا بيوتهم في فنزويلا وسوريا وأوكرانيا، وغالبًا ما تُقحم الأسَر في دوّامة الريبة والجوع والعنف. وها نحن، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، نقفُ إلى جانب كلّ طفل يرزحُ تحت وطأة هذا الظرف المدمّر، ولا نألو جهداً في سبيل ضمان بلوغه الإمكانيّات التي منحها له الله في الحياة”.
وتابع: “إنّ سلامة اللاجئين مهدّدةٌ أيضًا بحيث باتَ مستحيلاً على العديد منهم إمكانيّة الحصول على الخدمات التي يحتاجونها على نحو طارئ. ففي ظلّ تمويل عالميّ لحماية الأطفال بنسبة 4% مقارنة مع المبلغ الذي تتمّ المناشدة به، يُعدّ هذا القطاع الإنساني الأقلّ تمويلاً على الإطلاق في الوقت الذي تزدادُ فيه الاحتياجات. فإنّ نصف الأطفال اللاجئين يفتقرون إلى الملجأ الآمن و44% منهم عاجزون عن الحصول على خدمات أخرى في مجال حماية الطفل، وقد تفاقم هذا الوضع بنسبة 13% ابتداءً من العام 2021. هذا ولا يحظى العديد من الأطفال اللاجئين والمشرّدين داخليًّا بفرصة التعليم كما بتأمين ودعم تواجدهم في الصف، بعد أن تضاعفَ بين العامين 2021 و2022 عدد الأسَر التي أبلغت عن افتقارها إلى الموارد التي تتيحُ لها إرسال أطفالها إلى المدرسة”.
من جهته، قال المديرُ المسؤول عن الشؤون الإنسانيّة العالمية في مؤسسة “الرؤية” العالمية جاستن بايوورث: “انتابَ القلق العائلات حول العالم حيال اضطرارهم حرمان أطفالهم من التعليم خلال انتشار وباء كورونا، إلاّ أنّ هذا القلق تبدّد بالنسبة إلى العديد من هذه الأسر بما أنّ معظم الأطفال في البلدان الغنيّة عاد إلى المدرسة وإلى الإيقاع الطبيعي للحياة. ولكن لسوء الحظ، باتَ التعليمُ بالنسبة إلى ملايين الأطفال اللاجئين حلمًا من الماضي قد لا يعيشونه مجدّداً. في المقابل، يواجه العديد من هؤلاء الأطفال واقعًا مريراً جديداً يتمثلُ بزواج الأطفال وعمالتهم. إنّها اللاعدالة الصارخة”.
وقد أظهرَ التقريرُ العالمي أيضًا، “تدهور الوضع الصحي للعديد من اللاجئين، بعد أن أبلغَ شخص واحد من كلّ أربعة أشخاص شملتهم الدراسة المسحيّة عن وفاة أحد أفراد عائلته في السنة الماضية. وقد نتجَ نصف عدد الوفيات عن إصابتهم بوباء كورونا في ظلّ غياب الإنصاف في الحصول على اللقاح. فقد تلقت البلدان الأقلّ ثراءً 1.4% فقط من اللقاحات المتاحة منذ بدء انتشار الجائحة بحيث حصل الأطفال على القسم الأصغر من هذه الكميّة الضئيلة”.
وقال بايوورث: “في حين تعافت الدول الأكثر ثراءً في العالم من جائحة كورونا وأخذت تتحرّك قدمًا بعد أن أعلنت أّنّ الجائحة أصبحت من الماضي، يُحرَم ملايين الأشخاص المشرّدين من تلقي اللقاح وهم لا يزالون عرضةً لمخاطر عالية. إنّه لاتهامٌ محزن يُلقى على الجهات التي تملكُ وسائل الدعم والمساعدة”.
ودق التقرير “ناقوس الخطر في ظلّ ازدياد الاحتياجات وقطع التمويل”، مبديا القلق حيالَ “الاهتمام الكبير الذي يتمّ إيلاؤه للنزاع في أوكرانيا ممّا يهدّد بتحوّل الدعم الإنساني المطلوب عن سياقات ومجالات أخرى يصارعُ فيها النازحون قسراً للبقاء على قيد الحياة”.
وأشارت الى أن الجهات المانحة تقوم بإعادة توجيه مسار ميزانيات المساعدة القائمة نحو أوكرانيا وبقطع التمويل وإلغاء المنح وبزيادة الإنفاق العسكري. ففي شهر آذار/مارس من العام 2022، أعلنت الدنمارك إعادة توجيه مسار مبلغ وقدره 2 مليار كرونر (ما يعادل 279،780،140 د.أ) من المساعدات الإنسانية المخصّصة لأزمات النزوح الأكثر ضغطًا، بما في ذلك مالي وسوريا وبنغلادش وإعادة تخصيصها للاجئين القادمين من أوكرانيا. هذا وأعادت المملكة المتحدة توجيه مسار 220 مليون باوند (ما يعادل 276 مليون د.أ) حتى تاريخه من المساعدات المالية وتخصيصها لتلبية الاحتياجات الإنسانيّة في أوكرانيا”.
وقال بايوورث: “في الوقت الذي يمدّ فيه العالم يده بكلّ إنصاف لدعم اللاجئين الهاربين من أوكرانيا، ها نحن نحثّ الجهات التي تملك السلطة السياسية على وضع حياة كافة اللاجئين والمشرّدين داخليًّا في العالم أجمع على قائمة أولوياتها في ظلّ تدهور نوعيّة حياتهم وتفاقم سوء أحوالهم سنة بعد سنة”.
أضاف: “نخشى أن تتحوّل الأموال المخصّصة لدعم اللاجئين المنتشرين في العالم أجمع إلى الهاربين من أوكرانيا، بحيث يُحرم الأطفال الذين يصارعون للبقاء على قيد الحياة في مخيّمات اللاجئين من الطعام ووسائل الحماية. إنّ جميع اللاجئين هم بحاجة إلى الدعم ويستحقونه بصرف النظر عن البلد الذي تهجّروا منه. لذلك، فإننا نحثّ الجهات المانحة على زيادة التمويل عوضاً عن إعادة تخصيص المبالغ التي سبقَ أن تمّ التعهّد بمنحها، بحيث يتلقى جميع اللاجئين الدعم الذي يحتاجونه”.