خاص- هل نضجت ظروف التسوية الشاملة؟
في الوقت الذي ترتفع وتيرة التصعيد على الأرض، وتقف المنطقة على شفير انفجار شامل، يبذل وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن محاولة جديدة للانتقال إلى مرحلة الحلّ السياسي. وهو يرى الفرصة سانحة لبحث “اليوم التالي” في غزّة وللحديث من السعودية وتل أبيب عن التطبيع. ويتزامن كلام بلينكن الذي يقوم بجولة في المنطقة، مع إعلان السفير الايراني لدى سوريا أن ايران تلقّت قبل 10 أيام رسالة أميركية عبر دولة خليجية تعرض تسوية في شأن المنطقة برمّتها.
فهل هيّأت الحرب في غزة الأرضية للتوصل إلى تسويات كبيرة، بدءاً بالقضية الفلسطينية، مروراً بلبنان ووصولا ًإلى الملف الايراني؟ أم أنّ التحرك الأميركي الحالي هو مجرد عرض عضلات على أبواب التحضير للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة؟
تبدو الزيارة الحالية لوزير الخارجية الأميركي للمنطقة مختلفة عن سابقاتها. فهي شملت كلاً من الأردن وقطر والإمارات والسعودية قبل محطتها في إسرائيل. أمّا الهدف الأساسي والمباشر للجولة فهو العمل لوقف الحرب في غزّة، تمهيداً للبحث في الإجراءات اللاحقة ومستقبل القطاع. ولكن بلينكن تحدّث أيضا في السعودية عن التطبيع، وقال للمسؤولين الإسرائيليين إنّ “الفرصة لا تزال سانحة لكسب قبول الدول العربية المجاورة إذا مهّدوا الطريق لإقامة دولة فلسطينية”.
إذاً، استنتج الأميركيون أن الحلّ الشامل لا يكون إلّا بدءاً من القضية الفلسطينية التي عادت لتفرض نفسها بنداً أول عند كل تفاوض، سواء حقّقت إسرائيل هدفها بسحق “حماس” أو لم تفعل. وتؤكد الإدارة الأميركية ضرورة إيجاد مسار عملي لقيام دولة فلسطينية. وهي تعتبر أن لا مجال للوصول إلى حلّ حقيقي من دون أن تقدّم إسرائيل تنازلاً على صعيد حل الدولتين.
النقطة الصفر للانطلاق هي أولاً وقف العمليات العسكرية في قطاع غزّة. وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن اسرائيل ستنتقل إلى المرحلة الثالثة من الحرب، التي تقوم على تخفيف كثافة الضربات والتركيز على أهداف محددة بوتيرة أقلّ شراسة. ولكن هذه المرحلة ستطول وستتحول إلى ما يشبه حرب الاستنزاف. وعلى رغم ذلك، ربّما تتمكن إدارة بايدن في هذه الأثناء من فتح الباب للبحث في مَن سيحكم غزّة بعد الحرب. واستطلع بلينكن في جولاته على الدول العربية التي زارها إمكان اضطلاع هذه الدول بدور في حكم القطاع في المستقبل وفي تمويل عملية إعادة الإعمار.
صحيح أن حكومة بنيامين نتنياهو منقسمة حول توقيت البحث في “اليوم التالي” في غزّة، إلّا أن إسرائيل أدركت بعد عملية “طوفان الأقصى” أن سياسة الردع لم تعد كافية لضمان أمنها، وأن سياسة إدارة الصراع قد فشلت. وهذا التغيير في العقيدة الأمنية يدفع إسرائيل إمّا إلى حرب بلا هوادة، أو إلى الانخراط في الحل السياسي الكفيل بحفظ أمنها على المدى الطويل.
سيجري البحث عاجلاً أم آجلاً في الترتيبات المستقبلية في القطاع، سواء لناحية إقامة حزام أمني أو الاستعانة بقوات دولية أو عربية، أو لناحية تحديد الطرف الذي سيحكم غزّة. وعندها ستظهر عقبات كثيرة. فالسلطة الفلسطينية غير جاهزة وغير مقبولة في الشارع الغزّي. وحكومة من التكنوقراط بحاجة إلى تغطية سياسية عربية ودولية. أما بالنسبة إلى “حماس” فإن استطلاعاً للرأي أجراه أخيراً المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة، وهو أحد أبرز المراكز وأكثرها مصداقية، أظهر تأييدا كبيراً للحركة، خصوصاً في الضفة الغربية.
لذا، فإنّ أيّ حلّ لموضوع غزّة لا يكون من ضمن حلّ شامل للملف الفلسطيني لن يُكتب له النجاح، إلّا إذا قرّرت اسرائيل الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية. ولا يمكن للولايات المتحدة أن ترعى حلّا لا ينصّ في شكل من الأشكال على دولة فلسطينية. وهذا ما يطالب به أيضاً كل من مصر والأردن، وما تريده السعودية قبل استئناف البحث في عملية التطبيع مع إسرائيل، والتي كانت قد قطعت أشواطاً متقدّمة قبل اندلاع الحرب في غزّة.
أمّا بالنسبة إلى لبنان، فالعمل جارٍ على صيغة تقوم على إظهار النقاط الحدودية أو ترسيم الحدود، في مقابل إيجاد مخرج لوجود “حزب الله” وسلاحه جنوب الليطاني، بمعنى تطبيق القرار 1701 مع بعض الضمانات. وسيصل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت في الساعات المقبلة لاستطلاع إمكانات التقدم في هذا الحلّ.
يبقى السؤال عن الدور الإيراني في كل هذه العملية. ويأتي إعلان السفير الايراني في دمشق عن رسائل أميركية ليؤكد أنه لا يمكن تجاوز طهران في أيّ تسوية ترسم للمنطقة.
ولكن، هناك عاملان رئيسيان يتحكمان بقابلية هذه التسويات الجزئية أو الشاملة للتحقق، وهما: نتائج الانتخابات الأميركية بعد أقل من عام، وبقاء بنيامين نتنياهو في منصبه أو عدم بقائه حتى ذلك التاريخ. فالتسوية لا تمشي بوجود حكومة اسرائيلية على رأسها نتنياهو وتضم غلاة المتطرفين. وفي المقابل، فإن احتمال وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيقلب كل المعادلات. فهل يمكن لإدارة بايدن أن تتوصل إلى تسوية قبل ذلك؟