«الممانعة» تشيّع قائدها في بيروت اليوم و«المحور» على… ضموره

«الممانعة» تشيّع قائدها في بيروت اليوم و«المحور» على… ضموره

المصدر: الراي الكويتية
23 شباط 2025

يَطوي «حزب الله» اليوم، رسمياً مرحلةَ أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، الذي تحوّل قبل اغتياله في 27 سبتمبر الماضي ومنذ إسقاط الجنرال قاسم سليماني في 3 يناير 2020 القائد غير المعلَن لـ «المحور الإيراني» وأذرعه المترامية في ساحاتٍ تَمَدَّدَ إليها في العقدين الأخيرين خصوصاً «النفوذ الأخطبوطي» لطهران.

وعشية يوم التشييع في مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت ومحيطها، بدا واضحاً أن 23 فبراير، يُراد أن يكون لـ«حزب الله» وطهران «صندوقة بريد» في أكثر من اتجاه، في الوقت الذي سيشكّل «أحد الوداع» لنصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين (اغتالته إسرائيل أيضاً في 23 أكتوبر الماضي) يوماً مدججاً بالتحدياتِ الأمنية للسلطات اللبنانية في موازاة «عيون» خارجية شاخصة في شكل أساسي على الوفود الرسمية التي ستشارك ومن أي دول.

فـ«حزب الله»، أطلق منذ تحديد موعد التشييع عمليةَ تحشيدٍ ضخمة في سياق السعي ليكون هذا الحدَث تاريخياً في لبنان والمنطقة على صعيد حجم المشاركة، رغم الظروف المناخية القاسية التي فاقمتْها العاصفة «آدم» وصقيعها القطبي (تسبّب بانقطاع المياه في الضنية بسبب تجمُّدها في القساطل).

وستتحوّل الحشودُ وغالبيتها العظمى من بيئة «حزب الله» وحركة «أمل» بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، إلى جانب وفودٍ «شعبية» من إيران والعراق واليمن وتركيا وبعض الدول الأخرى (تناهز 35 ألفاً)، منصةً لـ «عرْضِ قوةٍ» محمَّل برسالتيْن لـ «مَن يعنيهم الأمر» في لبنان والخارج:

* الأولى أن «حزب الله» ما زال هنا وأن خسائر «حرب لبنان الثالثة» على فداحتها، فإنها لم تُنْهِ الحزبَ الذي يرفع شعار «إنا على العهد» للتشييع الذي يَرفض تصويرَه على أنه طيّ صفحةٍ طَبَعها بمشروعه وتأثيره الداخلي والإقليمي، ويحاول تقديمه على أنه «تجديد للوعد» وتالياً إصرار على البقاء على النهج نفسه، وإن بحلةٍ من واقعيةٍ على طريقة «إمرار العاصفة» والتكيّف مع مقتضيات الوقوع «بين ناريْ»:

إسرائيل التي تَمْضي في وضع «الإصبع على الزناد» والضغط عليه كلما رأت ذلك مناسباً تحت سقف اتفاقِ وقف النار وتفسيرها لمندرجاته.

وضغطٍ مزدوج لإنهاء وضعيته العسكرية خارج الدولة، من الخارج غير المستعدّ للمساهمة في أي إعمارٍ ما لم يكن «للمرة الأخيرة»، ومن الداخل اللبناني الرافض أي زجّ للبلاد مجدداً في حربٍ تدميريةٍ يتفرّد بها حزبٌ ويورّط الجميع فيها وهو الموقف الذي بات له ناظِم صريح اسمه البيان الوزاري للحكومة الجديدة.

* والرسالة الثانية أن «المحور الإيراني» ما زال بعيداً عن أن «يلفظ أنفاسه» رغم ما أصابه من انتكاساتٍ استراتيجية، في لبنان وسورية وغزة، وهي الحلقات «الذهبية» من قوس نفوذه المترامي والذي راكمه على مرّ العقود، وهو ما يعبّر عنه حضور ممثلين للحوثيين والحشد الشعبي وتنظيمات أخرى حليفة لطهران.

ولن يكون عابراً، أن إيران التي ما زال لبنان يعلّق رحلاتِ الطيران إليها ومنها منذ انفجار أزمة الطائرة التي لم تُمنح إذناً للهبوط في مطار بيروت بعد تهديداتٍ إسرائيلية بقفل هذا المرفق بحال حطّتْ فيه بحجة أنها تحمل أموالاً إلى «حزب الله»، ستتمثّل في التشييع بوزير الخارجية عباس عراقجي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وعدد من النواب إضافة الى مسؤولين في الدولة والحرس الثوري.

وسيفوق الحضور الرسمي الإيراني مشاركة لبنان الرسمي الذي يُرجّح أن يكون عبر الرئيس بري الذي يفترض أن يمثّل رئيس الجمهورية جوزف عون على أن تتمثل الحكومة ورئيسها نواف سلام بوزير العمل محمد حيدر، بالتوازي مع حضورٍ لبناني لقوى حليفة لحزب الله، أو كانت كذلك، ومع غيابٍ لقوى المعارضة و«تيار المستقبل» وتمثيلٍ للحزب التقدمي الاشتراكي من باب «وطني».

وستجد الدولةَ نفسَها اليوم وكأنها تحاول المواءمةَ بين تحدييْن: أمن التشييع في ضوء التقديرات بحشودٍ كبيرة جداً استدعتْ التقديرات بإزائها قفلاً لمطار رفيق الحريري الدولي لأربع ساعات (بين الثانية عشرة ظهرا والرابعة عصراً بتوقيت بيروت)، وأمن «اللبنانيين الآخَرين»، وغالبيتهم غير مؤيدين لحزب الله العسكريّ وسط تقارير عن أن الجيش رفع جهوزيته الى مئة في المئة، وأنه تم وضع خطة بين مختلف الأجهزة لتفادي أي احتكاكاتٍ خصوصاً في مناطق تماس مذهبي وطائفي وسياسي في بيروت ومحيطها، مع سعي المنظّمين أيضاً لتفادي أي مسيراتٍ خارج المسار المعتمد من شأنها التشويش على التشييع وإفشاله.

وفي الوقت الذي تتحدّث معلوماتٌ عن أن مثل هذا التشييع، الذي يجري رصد هل سيشارك فيه الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم شخصياً، لا بدّ أن يكون سبقه ترتيبٌ ما، عبر وسطاء خارجيين، لضمانِ ألا تعمد إسرائيل إلى تخريبه بطريقة أو أخرى أو استخدامه لإكمال «بنك أهدافها» من الاغتيالات، فإنّ أوساطاً سياسية ترى أن حضور قادة من الحوثيين الذين أعاد الرئيس دونالد ترامب التشدّد في اتجاههم (وضعهم في التصنيف الأكثر تقييداً في قائمة «المنظمات الإرهابية الأجنبية» والتي تعرف اختصاراً بـ (FTO قد يطرح إشكالياتٍ أمام السلطات اللبنانية كما مشاركة وفود من تنظيماتٍ لها أدوار مسيئة داخل دول عربية.

وفي حين كان النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي جو ويلسون، اعتبر أن أي سياسي لبناني سيحضر تشييع نصرالله «هو يقف مع النظام الإيراني» واصفاً الأمين العام السابق لـ”حزب الله” بأنه «إرهابي وقاتل»، قال السيناتور عن ولاية تكساس الأميركية Ronny Jackson بعد زيارته الرئيس عون أمس أنه لا يوافق على هذا الكلام معتبراً «من الأفضل أن ندع هذا الحدَث يمر ونمضي قدماً. إذا كان هناك أي شيء، فيجب أن تكون هذه فرصة للنظر إلى إغلاق فصل وفتح فصل جديد، وآمل أن يكون ذلك بمثابة إعادة ضبط لكثير من الناس».

وموقف جاكسون يتلاقى واقعياً مع تقييمٍ في بيروت لدى مصادر مطلعة تَعتبر أن التشييع وحجم المشاركة فيه يعكس عملياً مستوى الخسارة التي تعرّض لها «حزب الله» والمحور الإيراني باغتيال نصر الله «الذي لن يتكرر» بالنسبة إليهم، بفعل مجموعة عناصر شخصية تمتّع بها وظروف لبنانية وإقليمية أتاحت له الاضطلاع بأدوار هائلة والتأثير المتعدد الساحة، مشيرةً إلى أن يومَ الوداع الكبير والذي لا يمكن التقليلُ من دلالاته لن يكون كافياً لتعديل الموازين الداخلية والإقليمية التي انقلبتْ بفعل تحولاتٍ جيو – سياسية لم تنتهِ بعد.

وتعرب هذه المصادر عن اعتقادها أن الحزب سيستخدم مشهد «القوة الشعبية» القصوى لجعْل مرحلة التراجع أمام المتغيراتِ وترْكِه الدولة تتقدّم «معركة التحرير بالدبلوماسية» للتلال الخمس التي أبقت إسرائيل على احتلالها تَظْهَر على أنها لم تأتِ من موقع ضعف، وفي الوقت نفسه محاولة شراء الوقت مجدداً و«إحناء الرأس مرفوعاً» وتكرار تجربة ما قبل تحرير العام ألفين، حين كانت المقاومة «محلية»، كما مرحلة ما بعد 2005 (وقبل 2008) حين مارس ما يشبه «ركوب الأمواج» المعاكسة التي باغتتْ لبنان – الوصاية السورية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى تمكين استحكامه بالواقع السياسي بالسلاح تارة ووهجه طوراً حتى ما قبل حرب لبنان الثالثة.

وكان الرئيس جوزف عون، أبلغ إلى السناتور جاكسون «أن الاستقرار في الجنوب وعلى طول الحدود، يتطلب انسحاب الإسرائيليين من التلال التي تمركزوا فيها وإعادة الأسرى اللبنانيين الذين احتجزوا خلال الحرب الأخيرة وهذا الموقف اللبناني ثابت ونهائي»، مؤكداً «أن الجيش اللبناني انتشر في القرى والبلدات التي انسحب منها الإسرائيليون وهو جاهز للتمركز على طول الحدود»، ولافتاً إلى «أن التعاون قائم بشكل جيد مع القوات الدولية العاملة في الجنوب بهدف تطبيق القرار 1701 وما ورد في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر، ولكن إسرائيل باستمرار احتلالها للتلال، خرقت هذا الاتفاق وعلى الدول الراعية له، لاسيما الولايات المتحدة، الضغط عليها للالتزام به كلياً».

وكان السناتور جاكسون استهل اللقاء بتهنئة الرئيس عون على انتخابه، مؤكداً «وقوف الولايات المتحدة إلى جانب لبنان الذي بدأ يستعيد عافيته بعد دخوله في مرحلة جديدة من الاستقرار على اثر انتخاب الرئيس عون وتشكيل الحكومة الجديدة»، وشدد على انه «سيعمل مع الرئيس دونالد ترامب وزملائه الشيوخ والنواب من أجل توفير الدعم المادي والتجهيزي اللازمين للجيش اللبناني الذي يقوم بعمل استثنائي ويلقى الدعم من الجميع داخل لبنان وخارجه».

ورداً على سؤال أكد «أننا نريد أن تكون القوات المسلحة اللبنانية هي المسؤولة عن أمن البلاد وأمن الحدود. وكأميركي وعضو في الكونغرس، لا أريد أن يكون حزب الله هو الذي يؤدي هذا الدور. أعتقد أن القوات المسلحة اللبنانية هي المسؤولة عن تأمين الحدود وتوفير الأمن للشعب اللبناني، وهذا ما أريد أن أراه يحدث في أقرب وقت».