أورتاغوس تمهّد الطريق لحضور أميركي طويل

أورتاغوس تمهّد الطريق لحضور أميركي طويل

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
13 شباط 2025

لم يعد سراً أنّ تل أبيب طلبت تمديد احتلالها للقرى اللبنانية في الجنوب حتى 28 شباط، وهو ما أبلغته إلى الإدارة الأميركية التي رفضته، قبل أن ترفعه إلى لجنة الإشراف والمراقبة الخماسية لتلقى رفضاً لبنانياً. وهو ما دفع إلى انتظار عودة الموفدة الأميركية مورغن أورتاغوس في الأيام المقبلة للبت بالطلب، وسط معلومات تتحدّث عن اقتراح بملء المواقع المطلوب الإنسحاب منها بمراقبين من «اليونيفيل» والأميركيّين ما يُمدّد إقامتهم في لبنان.

 

تعدّدت السيناريوهات التي تحاكي ما يمكن أن يشهده الـ18 من شباط، بمعزل عن كثير من التفاصيل التي يمكن أن تأتي بالجديد، وما يمكن أن تحمله الأيام القليلة الفاصلة من مفاجآت، فهي تتراوح بين انسحاب إسرائيلي شامل من مختلف الأراضي اللبنانية حتى آخر شبر منها والعودة إلى ما وراء الحدود الدولية، أو البقاء في النقاط الخمس الموزعة على القطاعات الجنوبية الحدودية الثلاثة كما ترغب إسرائيل، من اللبونة أعلى تلال القطاع الغربي المشرفة على حيفا والساحل الشمالي الفلسطيني المحتل، وصولاً إلى القطاعَين الأوسط والشرقي وهي تتوزّع بين جبل بلاط وتلال العزية والعويضة والحمامص بما فيها تلك الموازية للإحتلال الإسرائيلي لشريط سوري يمتد من جبل الشيخ حتى «بيت جن» من مثلث الحدود اللبنانية – السورية مع فلسطين المحتلة، إلى مشارف المصنع، والتي تشرف على الجانبَين اللبناني والسوري.

 

على هذه الخلفيات لا تزال المراجع الديبلوماسية والعسكرية تستقصي المعلومات حول ما يمكن أن يتحقق في أي لحظة فإنّها تعتبره مخالفاً لتفاهمات سابقة. بعدما عبرت الاستحقاقات الدستورية التي أدّت إلى اكتمال عقد السلطات الدستورية بانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، بطريقة سلسة من ضمن المهل المحدّدة سلفاً عند التفاهم على مهلة الأيام الـ60 التي انتهت في 27 كانون الثاني وتمديدها إلى 18 شباط لمرّة واحدة كما قيل في حينه.

 

وهو أمر – تضيف المراجع عينها – دفع بالقوى التي رعت التفاهم إلى تأكيد أهمية أن تلتزم إسرائيل بالموعد المحدّد في ظل جهوزية الجيش اللبناني للانتشار في المناطق التي تخليها بكل عتاده العسكري، لفرض الأمن بمساعدة القوات الدولية المعزّزة «اليونيفيل». وهو أمر أشارت إليه سلسلة الشهادات المتكرّرة التي حظيَ بها الجيش اللبناني من رئيس لجنة الإشراف على التفاهم الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز ونائبه الفرنسي الجنرال غيوم بونشان، عدا عن الارتياح الذي عبّرت عنه قيادة القوات الدولية مدعومةً من عدد كبير من رؤساء الدول التي تنتمي إليها، ولا سيما منها فرنسا، إيطاليا وإسبانيا والأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، الذي عبّر عن ارتياحه إلى ما تحقق، مؤكّداً أهمية أن تنفّذ اسرائيل ما تعهّدت به بموجب تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي بلا أي تردّد، وخصوصاً أنّ ملاحظاتها السابقة على أداء الجيش اللبناني لم تكن مقنعة إلى الدرجة التي قبلت بها واشنطن وأجبرت الآخرين على الموافقة عليها بطريقة غير منطقية وواقعية لم تكن خافية على أحد.

وانطلاقاً من هذه الملاحظات على أهمّيتها فقد جاء الطلب الإسرائيلي الجديد لتمديد مهلة البقاء في الأراضي المحتلة 10 أيام إضافية في مرحلة لا يمكن استيعابها. فالسلطات اللبنانية باتت على أتمّ الاستعداد لتنفيذ متطلبات المرحلة التي تسمح بانتهاء البحث في المرحلة الانتقالية، والانطلاق في اتجاه الخطوات الأخرى التي تضمَن الوصول إلى اتفاق ثابت ونهائي لوقف النار، يقود تلقائياً إلى البحث في المراحل الأخرى المرتبطة بتحديد الحدود وتظهيرها ومعالجة النقاط المختلف عليها بعد الفصل النهائي بين الحرب على لبنان وما انتهت إليه حرب غزة وما يمكن أن تنتهي إليه الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي السورية، والتي لم يكن لها أي علاقة بما جرى في لبنان، وخصوصاً أنّ التدابير الدولية والأميركية قد انطلقت لتقليص العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا وتعديلها بطريقة تؤهّل النظام الجديد للتعاطي مع المجتمع الدولي والانخراط في المجموعة العربية والدولية وصولاً إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بعد الانفتاح الخليجي والعربي والغربي عليه.

 

وفي غمرة هذه المعطيات، تسرّب أمس عبر وسائل إعلام إسرائيلية متعدّدة عن موافقة أميركية مبدئية على طلب إسرائيل بتمديد احتلالها في عدد من المواقع في لبنان عشية عودة أورتاغوس إلى لبنان، وهذا ستكون له انعكاسات سلبية على زيارتها للبنان ما لم تكن تحمل حلاً طويل الأمد ينهي هذه «المهزلة» الناتجة من التراخي الأميركي والتلاعب بهيبة واشنطن الناتجة من مجموعة الضمانات التي قدّمتها إلى طرفَي التفاهم، والتي لم تكن تخضع إلى أي تشكيك لبناني خلافاً لما يعتقده البعض. ذلك أنّ لبنان أكّد تنفيذ ما هو مطلوب منه لإنهاء الوضع الشاذ في الجنوب والسعي إلى استعادة سيطرة الدولة على منطقة الجنوب وبقية الأراضي اللبنانية بما فيها المعابر الحدودية والمرافق العامة الجوية والبحرية والبرية التي تخضع إلى تدابير غير مسبوقة يمكن أن تكون ضامنة لأي مرحلة مقبلة بهدف الوصول إلى مرحلة سيطرتها بقواها الذاتية على كل أراضيها تمهيداً للانتقال إلى مرحلة الإصلاحات المطلوبة بوجود حكومة كاملة المواصفات الدستورية.

 

وعليه، فإنّ المراجع المعنية تتريّث في اتخاذ أي موقف نهائي ممّا قد تحمله الأيام الخمسة المتبقية من المهلة الجديدة قبل عودة أورتاغوس. وإن لم تنفِ بعد ما تسرّب من حديث عن احتمال وجود طرح أميركي يشير إلى استحداث 5 مراكز مراقبة تتمركز فيها وحدات من قوات «اليونيفيل» مطعّمة بعناصر أميركية وفرنسية، فإنّها لم تؤكّد ذلك. فكل ما هو متوافر من معلومات تمّ ربطه بالضمانات الإسرائيلية لإخلاء النقاط التي تريد الاحتفاظ بها لما تشكّله من نقاط استراتيجية تسمح لها بإعادة سكان الجليل الأعلى إلى مستوطناتهم في الأول من آذار المقبل. وقد سبق أن وجّهت الدعوة إليهم للعودة إليها استناداً إلى ما وفّره كتاب الضمانات الأميركية لها على هامش التفاهم مع «حزب الله»، والتي سمحت لها بتمديد احتلالها للأراضي اللبنانية وتدمير ما يمكن تدميره من المنشآت المدنية التي طاولت البنى التحتية التي لا يمكن استغلالها لتخزين الأسلحة فيها إن كانت الحجة التي تسلّحت بها عند طلبها لمثل هذه الضمانات.

 

وعليه، تنتهي المراجع عينها لتجزم، في حال اكتمال المشهد على ما هو متوقع إن صحّت هذه التسريبات، ببقاء القوات الأميركية لفترة طويلة في الجنوب لا يمكن تقدير نهايتها، وخصوصاً إن تمّ الربط بينها وبين الحلول التي تنتهي فيها فصول أزمات المنطقة.