خاص – الضغط الأميركي في لبنان… لم يبدأ بعد

خاص – الضغط الأميركي في لبنان… لم يبدأ بعد

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
15 آذار 2025

بلدوزر أو دينامو أو إعصار… هكذا يمكن وصف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لملفّات العالم. الوقت بالنسبة إليه ثمين، ولا يريد تضييعه بلا فائدة. لذا، فهو يصدر القرار وينفّذه على الفور. ففي خلال أقلّ من شهرين من وجوده في البيت الأبيض، حرّك عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا، والتي تكاد تصل إلى اتّفاق. ووضع يده على ملفّات المنطقة، من غزّة إلى لبنان فسوريا. وهذا عدا عن القرارات اتي اتّخذها في الداخل الأميركي من إلغاء وكالات أميركية وصرف موظّفين في الإدارات العامّة.
ويَظهر التدخّل الأميركي في شكل واضح في ملفّات المنطقة، من غزّة إلى لبنان فسوريا، حيث أدّت الإدارة المباشرة إلى تسريع مسألة تبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل و”حماس”. كما منعت الفوضى التي كان يمكن أن تسيطر على سوريا إثر الأحداث الدامية في منطقة الساحل العلويّة. وفي لبنان، تنطلق الحكومة في عملها بسلاسة، بدءاً من التعيينات الأمنية ثمّ المالية فالدبلوماسية، تحت الرعاية الأميركية، فيما فُتح ملفّ ترسيم الحدود مع إسرائيل، حتّى ولو لم تظهر نتائج عمليّة بعد.
فالرئيس ترامب يريد حلّ المشاكل التي تقف أمام مشروعه للمنطقة والعالم، بما يخدم أهدافه، بغضّ النظر عن مصلحة هذا الطرف أو ذاك. حتّى أنّ تعامله في موضوع غزّة لم يعجب الجانب الإسرائيلي. ولكن، ما في اليد حيلة. فترامب الذي قدّم لإسرائيل ما لم يقدّمه أيّ رئيس أميركي، وآخر الوعود هو مشروعه لتهجير الفلسطينيين من القطاع، لا يماشي بنيامين نتنياهو في قراره مواصلة الحرب بعد الانتهاء من ملفّ الرهائن. ويريد تعبيد الطريق لمشروعه الاقتصادي الكبير وتحقيق “الممرّ الاقتصادي الهندي”، في موازاة “طريق الحرير” الصينية.
وفي سوريا، ما كان الشرع سيتمكّن من ضبط الأحداث الأمنية، والتوصّل إلى اتّفاق مع الأكراد، لولا التدخّل الأميركي المباشر. فترامب لا يريد أيّ اضطرابات في هذا البلد تعرقل مشروعه الأساسي.
وتنطبق السياسة عينها على لبنان. وتقول مصادر إعلامية في واشنطن إنّ السياسة الأميركية الخارجية مع إدارة ترامب مختلفة تماماً عن سياسة الإدارات السابقة. فإذا أراد الرئيس حصول أمر ما، يتوجّه مباشرة إلى الشقّ التنفيذي العملاني. ولكن، الضغط الحقيقي في الموضوع اللبناني لم يبدأ بعد، إنّما يتمّ الآن تجهيز الآلية لذلك. فقد عيّن ترامب سفيراً جديداً في بيروت بدلاً من ليزا جونسون، هو اللبناني الأصل ميشال عيسى. كما عيّن موفدة إلى لبنان هي مورغان أورتاغوس، إضافة إلى أنّ اللجنة المشرفة على وقف النار هي برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز.
فواشنطن ستعمل على حلّ موضوع الاحتلال الإسرائيلي لتلال لبنانية في الجنوب والشرق كسلّة متكاملة. وربّما لن يكون الانسحاب سريعاً. وقد أكّدت إسرائيل أنّها ستبقى في هذه النقاط إلى أجل غير مسمّى. وفي إطار الحلّ المتكامل الذي تعمل عليه واشنطن، تمّ الإعلان قبل أيّام عن تشكيل ثلاث مجموعات عمل مشتركة مع لبنان وفرنسا والولايات المتّحدة، بهدف مناقشة قضايا تتعلّق بترسيم “الخطّ الأزرق” وأمور أخرى. وبلغت الأمور حدّ تطرّق بعض التقارير إلى عرض إسرائيلي لترسيم الحدود في مقابل التطبيع. ولكن مصادر رسميّة لبنانية نفت هذا الطرح.
ويبقى موضوع سلاح “حزب الله” الملفّ الأهمّ على طريق استعادة الدولة سيطرتها على القرار. وهذه النقطة هي الأكثر تعقيداً بين الملفّات المطروحة. وقد دعا وزير العدل عادل نصّار إلى إدراج موضوع تسليم السلاح على الجلسة المقبلة لمجلس الوراء لمناقشته، في حين أعلن “الحزب” أنّه “لا يمكن حصر السلاح بيد الدولة طالما أن هناك احتلالاً”.
وتقول المصادر إنّ الإدارة الأميركية عازمة على إنهاء موضوع السلاح التابع لـ”حزب الله” في شكل نهائي، وهي تدرك مدى الصعوبة أمام الحكومة اللبنانية في مقاربة هذا الموضوع. ومعلوم أنّ النائب الأميركي الجمهوري غريغ ستيوب قدّم إلى الكونغرس الأميركي مسوّدة مشروع قانون، أو ما يُعرف بـ “مشروع بيجر” الذي يحظر تقديم المساعدات للقوّات المسلّحة اللبنانية، حتّى تلغي الحكومة اللبنانية اعترافها بـ”حزب الله” وجناحه السياسي. كما يشترط مشروع القانون اتّخاذ الحكومة اللبنانية خطوات ملموسة خلال 60 يوماً لنزع سلاح “الحزب” مع فرض عقوبات على الأفراد والكيانات المتورّطة في دعمه.
هذا القانون، في حال إقراره، سيضع لبنان أمام موقف صعب، ويضغط على الحكومة لنزع السلاح. وبهذه الطريقة ربّما تتدخّل الولايات المتّحدة في شكل مباشر لمساعدة الدولة اللبنانية على مواجهة هذا الملف الشائك.
تخطو حكومة نوّاف سلام خطوات متأنّية، ولكن ثابتة، في اتّجاه تطبيق خطاب القسم بكلّ مندرجاته الأمنية والسيادية والاقتصادية. فالإصلاح هو عملية تراكمية، خصوصاً في بلد منخور حتّى العظم بالفساد وانتهاك سلطة الدولة واهتراء المؤسّسات. فالمسار طويل، لكن الظروف ملائمة، والحكومة تحسن استغلال هذه الظروف ضمن سياسية الخطوة خطوة.