ارتفاع مُقلق في أعداد العملاء: المال ليس دائماً السبب!
في العام 2024، وبحسب مصدر أمني في حديث خاص لـ”المدن”، فقد “تمكنت مخابرات الجيش من إلقاء القبض على 14 شخصًا بتهمة التعامل مع إسرائيل. وفي كانون الثاني العام 2025، ألقي القبض على أربعة أشخاص. (وبذلك تكون الحصيلة كما يلي: 11 لبنانيّاً، 5 سوريّين، 1 لبنانيّ-استراليّ، 1 فلسطينيّ)”.
في كانون الثاني الماضي، حُول ملف العميل اللبنانيّ علي حاريصي للقضاء العسكري بعد اعترافه بالتعامل مع العدو الإسرائيليّ، وحسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن” فإن حاريصي من بلدة ديركيفا، زود إسرائيل بترددات جهاز الـبيجر الذي كان يحمله والده، كما أن شقيقه هو شهيد في صفوف حزب الله، وقد قدمت عائلة حاريصي العديد من الشهداء خلال العدوان الإسرائيليّ الأخير على لبنان، وسافر إلى تُركيا وتواصل مع شبكة معروفة بارتباطها المباشر بالعدو الإسرائيليّ، وتواصل معهم هاتفيًا. ولكون حاريصي ينتمي لبيئة حزب الله بشكل مباشر، فإن المهمات التي طلبت منه هي مراقبة القادة الأمنيين في بلدته، والأماكن التي يترددون إليها، وتجهيز ملفات شخصية عنهم، وطلب منه تزويدهم بمعلومات دقيقة حول أماكن تجمع الشخصيات الأمنية بشكل يوميّ، إضافة إلى معلومات حول مخازن الأسلحة وطريقة نقل الأسلحة وتخبئتها داخل المخازن، ونفذ حاريصي ما طُلب منه.
ثمة تساؤلات كثيرة تُطرح في هذه القضية وأهمها هي الأسباب التي تدفع بأي مواطن لبنانيّ إلى التعاون مع إسرائيل بالرغم من أن انكشاف أمره يؤدي إلى نبذه اجتماعياً وملاحقته ومعاقبته وزجه خلف القضبان، وقد يؤدي إلى تصفيته في بعض الأحيان.
توضح مصادر قضائيّة لـ”المدن” إلى أن هناك سلسلة من الدوافع للقيام بهذا العمل. ومنها: -الدوافع الشخصية الناتجة عن مشاكل وخلافات شخصية بين العميل أو المُخبر وأفراد من حزب الله. فيبدأ بتسريب العديد من المعلومات حول تحركاتهم، ومن ثمّ يقع في مصيدة إسرائيل ويتم الايقاع به.
-الحقد على حزب الله والرغبة بالتخلص منهم، فيقوم المُخبر بتزويد إسرائيل بمعلومات أمنية يعرفها، وهنا توضح المصادر إلى أن عدد من العملاء الذين قدموا معلومات خاصة بقادة حزب الله كانوا من داخل بيئة حزب الله.
-الإبتزاز والتهديد: تمكنت إسرائيل من الايقاع بعدد من العملاء من داخل بيئة حزب الله من خلال ابتزازهم وتهديدهم، الأمر الذي دفعهم إلى الرضوخ وتزويدها بكل المعلومات التي طلبتها.
-الحاجة إلى المال: وهنا تؤكد المصادر إلى أن الدوافع المالية هي من أضعف الأسباب التي تؤدي إلى التعامل مع إسرائيل، ذلك لأن إسرائيل لم تقدم مبالغ مالية باهظة مقابل المعلومات الأمنية، وجميع العملاء الذين ألقي القبض عليهم في السنوات الأخيرة تقاضوا مبالغ ضئيلة تراوحت بين 2500 و5000 دولار أميركي فقط، ولم تتخط المبالغ قيمة الـ20 ألف دولار أميركي. إضافة إلى أن العملاء الذين ينتمون لبيئة حزب الله، ليسوا بحاجة إلى مبالغ مالية للتعامل مع إسرائيل، فرواتبهم الشهريّة كانت بالدولار الأميركي خلال وبعد الأزمة الاقتصادية في العام 2019، وبالتالي من ما حاجة للتعاون مع إسرائيل مقابل المال إنما لأسباب أخرى.
مراقبة قادة حزب الله
يعمل علي صادر في اليونيفيل، من بلدة عين إبل، تم توقيفه خلال عودته من فلسطين المحتلة عبر الحدود اللبنانية، تواصل مع شخصيات أمنية في إسرائيل عبر تطبيق الماسنجر، طلب منه زيارة إسرائيل للاتفاق على طبيعة العمل، وقابل أحد الإسرائيلييّن الذي أعطاه تعليمات مخصصة لكيفية إلتقاط الصور وتحويلها إليهم، وحصل على دفعة أولى وهي 2500 دولار أميركي فقط، وخلال التحقيقات اعترف بتنفيذ مهمات إسرائيلية، وهي مراقبة تحركات بعض الشخصيات الحزبية، إلتقاط الصور لمراكز عسكرية، وحواجز للجيش اللبناني على طول خط الجنوب اللبناني وصولًا إلى بيروت، إضافة إلى تصوير منصات لإطلاق الصواريخ في بعض المناطق الجنوبيّة.
أما العميل علي حسين (الدكوة)، تبيّن بأن شقيقه خضر موقوف في سجن رومية منذ خمس سنوات أيضًا بسبب تعامله مع إسرائيل. ويعمل الشاب عليّ في تحويل الأموال وكان مُلاحقًا بعمليات النصب والاحتيال والتزوير، وإلتقى بشخص يحمل الجنسية اليونانيّة عبر صديق مشترك، وبعد تقابلهما طلب منه تصوير مخازن الأسلحة في البقاع الغربي العائدة للحزب. ولكونه مقرب من بيئة الحزب، فقدم المعلومات التي يعرفها، وقامت إسرائيل باستهداف مخازن الأسلحة خلال شهر تشرين الأول العام 2024.
ويتضح أن المهمات التي نفذها العملاء في العام 2024 هي التواصل مع أرقام إسرائيليّة بشكل يوميّ. إلتقاط الصور لمراكز حزبية ولمخازن الأسلحة. تجميع معلومات حول قادة حزب الله. جمع معلومات ميدانيّة حول بعض البلدات الجنوبيّة وشوارعها الفرعيّة. التواصل مع سفارات العدو في الخارج وتزويدهم بمعلومات أمنية حول مخازن الأسلحة. الدخول إلى فلسطين المحتلة ومقابلة شخصيات إسرائيليّة، ومتابعة الصفحات التي يديرها العدو الإسرائيلي على مواقع التواصل الاجتماعي.
التأكد من إصابة الأهداف
وتفيد المصادر إلى أن التحقيقات تؤكد أن إسرائيل استفادت من كل المعلومات الأمنية والميدانيّة التي قدمها العملاء، ونجحت باستهداف كل مخازن الأسلحة والمراكز الحزبيّة التي توصلت إلى معلومات عنها، كما أنها طلبت منهم تأكيد إصابة الهدف بعد استهدافه بمسيرة أو غارة إسرائيليّة.
ولا تُخفي المصادر إلى أن الأجهزة الأمنية التي ضبطت مع العملاء الذين ألقي القبض عليهم هي أجهزة حديثة جدًا ومتطورة، فالأجهزة الأمنية اللبنانية لا تملك أي معلومات حول طرق استخدام هذه الأجهزة والتعامل معها.
وهنا توضح المصادر إلى أن العميل انتقل للمرتبة الثانية بالنسبة لإسرائيل، إلا أنها غير قادرة عن التخليّ عنه بشكل كامل. ولسنوات طويلة تعمدت إسرائيل تدريب العملاء خارج الأراضي اللبنانيّة (قبرص مثالًا) لتعليمهم أساليب التصوير والمراقبة وكيفية التواصل مع إسرائيل، لكنها نتيجة التطور التكنولوجي الذي توصلت إليه وامتلاكها أجهزة التنصت الحديثة واستخدامها للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أن الطائرات المسيرة سهّلت عليها تجميع كل المعلومات التي تريدها من خلال المراقبة، وبنك المعلومات التي حصلت عليه من خلال سنوات طويلة من التنصت، لذلك لم تعد حاجتها أساسية للعميل أو المُخبر كما كانت عليه في السابق. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من كل التطور التكنولوجي لكن العنصر البشري على الأرض هو جزء من عملها لأنه يتيح لها التأكد من كل المعلومات التي توصلت إليها.
وعليه، يبقى القضاء اللبنانيّ أمام تحدٍّ كبير في مواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة، إذ يقع على عاتقه اتخاذ إجراءات صارمة بحقّ المتعاملين مع العدوّ الإسرائيليّ لضمان عدم تفشّيها أكثر. بالرغم من إحالتهم إلى القضاء، تبقى فعاليّة المحاكمات ومدى الردع الذي تخلّفه الأحكام الصادرة محلّ تساؤل. فبين الأحكام المخفّفة أحيانًا والتأخّر في المحاكمات، قد يجد بعض العملاء ثغرات قانونيّة تخفّف عنهم العقوبات. في المقابل، فإنّ إسرائيل نجحت في استقطاب بعض الأفراد من داخل صفوف حزب الله أو من بيئته الحاضنة، مستغلّة عوامل متعدّدة كالحقد الشخصيّ، الابتزاز، أو حتى الحاجة الماليّة.