عقود مشبوهة تحوم حول مكننة العدليّة

عقود مشبوهة تحوم حول مكننة العدليّة

الكاتب: طوني كرم | المصدر: نداء الوطن
4 شباط 2025

برزت تحديات خطيرة تتعلق بالسيادة الرقمية وأمن البيانات، وبخاصة في قطاع العدالة، مع إطلاق وزارة العدل “مشروع تفعيل الخدمات القضائية الإلكترونية في قصور العدل”. وأثار هذا المشروع جدلاً واسعاً حول مدى شفافيته وتأثيره على استقلالية الدولة الرقمية؛ مع حصر الوزارة عملها بشركتي Odoo وCiel، اللتين تؤديان دوراً محورياًَ في تنفيذ المشروع، وسط اتهامات بالتفريط بالبيانات وسوء إدارة التحوّل الرقمي.

تحوّل رقمي أم مكننة شكليّة؟

يهدف مشروع الخدمات القضائية الإلكترونية، إلى رقمنة المحاكم وإنجاز بعض المعاملات القانونية. إلّا أن النائب رازي الحاج فنّد لـ “نداء الوطن” ثغرات هذا المشروع، معتبراً أنه “يفتقر إلى الحوكمة السليمة”، بعد أن عمدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إلى إلغاء الشق المتعلّق بالحوكمة من خطة وزارة التنمية الإدارية للتحوّل الرقمي التي سبق وأعدّتها الوزيرة مي شدياق.

وتفادياً للغرق في وحول المشاريع والخطط الهشّة والشكليّة، دعا الحاج إلى “إقرار اقتراح القانون الذي قدّمه في 22 كانون الأول 2022 والهادف إلى إنشاء “الوكالة الوطنية للتحوّل الرقمي”، كجهة ناظمة رسميّة مخوّلة الإشراف على إدارة وتنظيم عمليّة التحوّل الرقمي في لبنان.

أين الأمن السيبراني؟

وإذ يُروّج لمشروع الخدمات القضائية الإلكترونية كخطوة متقدّمة نحو تحديث العدالة، إلّا أن الخبير في الأمن السيبراني رولان أبي نجم وصفه بأنه “أكبر تنصيبة في تاريخ وزارة العدل”. ولفت إلى أنّ “تباهي الوزارة بأن شركة Odoo لا تتقاضى أموالاً مباشرة لقاء الخدمات التي تقدّمها، يسقط أمام الأرباح التي تستوفيها شركة Ciel – مقدّم خدمات معتمد حصرياً لتقديم خدمة التوقيع الإلكتروني أو المصادقة عليه، ما يضع عدالة الدولة تحت رحمة شركة خاصة”.

ويكشف أبي نجم، أن “تسليم بيانات المتقاضين والقضاء لشركة Odoo التي تدير موقع وزارة العدل الإلكتروني، ووكيلها القانوني في لبنان هو المحامي علي جابر المعروف بـ Alex، ويشغل مركز مستشار وزير العدل هنري الخوري، يشكّل خطراً استراتيجياً، خصوصاً في ظلّ غياب اتفاقيات واضحة لحماية الخصوصية”. وتوقّف عند “غياب القيود التي تضمن عدم استغلال هذه البيانات أو تسريبها. وحذّر من تداعيات تخزين البيانات على خوادم خارج لبنان”، وأكّد أن هذا المشروع “يشكّل انتهاكاً وتفريطاً بالسيادة الرقمية في لبنان”.

الصفقة الكبرى في حصر اعتماد شركة معيّنة

ولا تقتصر المحاذير عند دور شركة Odoo ومن يقف وراءها، لتبرز “الفضيحة” لا بل الصفقة الكبرى مع حصر اعتماد “شركة لبنان للتجارة والصناعة” Ciel، لصاحبها صلاح رستم، مقدّم خدمات معتمد لدى وزارة العدل لتقديم خدمة التوقيع الإلكتروني المعزّز، دون مناقصة أو تقديم عروض أو أي إجراء آخر… والتي فرضت رسم اشتراك باهظ يصل إلى 850 دولاراً سنوياً على المحامي.

وبعمليّة حسابيّة بسيطة، سيحقّق اشتراك نصف المحامين في بيروت (16 ألفاً) في هذه الخدمة، أرباحاً للشركة بما يقارب 7 ملايين دولار أميركي، من دون حسبان اشتراك الشركات والأفراد.

في الغضون، أكّد مستشار وزير العدل هنري الخوري، المحامي علي جابر لـ “نداء الوطن”، أن “الوزارة لم تستطع تحمّل هذه الكلفة فاضطرّت إلى تحميلها للمحامين”، ما يعكس فشلاً حكومياً في إدارة مشروع يفترض أن يكون مجانياً أو مدعوماً من الدولة. ولفت إلى أن شركة Ciel ومراعاةً للتحديات المادية، عمدت إلى إعفاء القضاة والموظفين في العدلية من دفع رسم التوقيع الإلكتروني 850 دولاراً، واستحدثت باقة بـ 250 دولاراً تخوّل المشترك فيها اعتماد التوقيع الإلكتروني لإنجاز جزء من المعاملات. وهذا ما أثار من جديد غضب المحامين، الذين وضعوا هذا الإجراء في خانة الاستغلال المالي غير المبرّر؛ قبل أن يكتشفوا أن التوقيع الإلكتروني، المعتمد في المحاكم بـ 850 دولاراً، غير معترف به في باقي الإدارات الرسمية بسبب غياب التبادل البيني للبيانات بين الوزارات، ما يجعل الفائدة من هذا الإجراء محدودة للغاية.

السيادة الرقميّة؟!

أمّا لجهة المحاذير المرتبطة بأمن البيانات، لم ينفِ المحامي علي جابر Alex، هذه المخاوف، لكنّه أكد أن البيانات مصنّفة إلى مستويات مختلفة من السرية، وأن المعلومات الحساسة لن تتمّ مكننتها بالكامل.

إن مشروع التحوّل الرقمي نفسه أمام مأزق حقيقي، بين تضارب المصالح، وغياب الشفافية، وتكبيد المتقاضين والمحامين تكاليف باهظة. ووفق المعنيين، فإن نجاح التحوّل الرقمي يندرج في إطار إصلاح قطاع العدالة في لبنان؛ الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق من دون إطار حوكمة واضح يضمن استقلالية المشروع، ويحمي المواطنين من الاستغلال انطلاقاً من وضع سياسات رقمية شفافة تحفظ السيادة الرقمية للبنان، بدلاً من تركها رهينة عقود مشبوهة مع شركات خاصة.