لا خديعة ولا من يخدعون
عندما يتعمّد الثنائي تكرار سردية أنه تعرّض للخديعة في تسمية رئيس الحكومة، إنما يتعمد أن يمارس الخداع وتزوير الحقائق. فالوقائع تشير إلى أنه لم يكن هناك التزام من أية جهة عربية أو داخلية بالتصويت للرئيس نجيب ميقاتي، وهي كذبة اخترعها “الثنائي” لكي يعوض ما خسره في الملف الرئاسي، بملف تشكيل الحكومة، وفشل.
الوقائع تشير إلى أن التدخل العربي والسعودي على وجه التحديد ساهم بانتخاب الرئيس جوزاف عون، لكنها تنفي بشكل تام وجود التزام بدعم الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، وتؤكد أن الهاتف السعودي تم إقفاله حتى انتهاء الاستشارات، ولم يقبل السعوديون بأن يؤثر أحد على قرارهم في مسألة تشكيل الحكومة، وتركوا الأمر يسير وفقاً للتوازنات النيابية.
ادعاء الثنائي بوجود خديعة كان سببه أن الرئيس بري اعتقد أن الاضطرار إلى انتخاب قائد الجيش، سيعني تلقائياً ترك رئاسة الحكومة للثنائي وحلفائه، ولم يقدّر أن تكون اللعبة قد فتحت على مصراعيها، ولم يحتسب وجود تيار نيابي كبير، استفاد من دينامية انتخاب عون، ليكمل الطريق إلى السراي.
لو عرف أحد أن الرئيس المكلف نواف سلام نفسه لم يكن متأكداً ولو للحظة بأنه ستتم تسميته، ولو عرف أحد أن سلام سافر، وفي حسابه أن الرئيس نجيب ميقاتي سيكون الرئيس المكلف، ولو عرف أن الجميع نام على استفاقة اليوم التالي مع الرئيس ميقاتي مكلفاً مرة جديدة، لما كان صدق أن الثنائي خدع.
الحقيقة أن دينامية نيابية داخلية ليلية أدت إلى انسحاب النائب فؤاد مخزومي طوعاً مضحياً بتسمية ما يقارب الـ 40 نائباً له لتشكيل الحكومة، من أجل تعزيز أصوات نواف سلام، وكانت تلك خطوة نادرة في الحياة السياسية اللبنانية التي تغلب الشخصنة على المصلحة العامة، وكان سبق للنائب أشرف ريفي أن ضحى هو الآخر عندما امتنع عن استكمال ترشيحه، بهدف ضمان الفوز لمرشح تختاره المعارضة وحلفاؤها.
تتلخص الخديعة التي يدعي الثنائي أنه تعرض لها، بأنه كان ينتظر تدخلاً سعودياً لصالح ميقاتي لكن هذا التدخل لم يأت، فخرج الثنائي بنظرية الخديعة والكمائن، محاولاً تضليل الجميع، والتأسيس لموقف يريد من خلاله تعطيل تشكيل الحكومة من أجل تلبية مطالبه التي كان يفرضها فرضاً في المراحل السابقة.
لن يصدق أحد أن الرئيس جوزاف عون نفسه، فوجئ بالتصويت النيابي لصالح سلام، وأنه ربما كان يرغب في تفادي مشكلة مبكرة مع الثنائي، إذا ما تمت تسمية ميقاتي، ولن يصدق أحد أن اختيار نواف سلام كان صناعة لبنانية صافية. الثنائي يعرف هذه الحقيقة لكنه يكمن للآخرين.