هل من حاجة إلى استراتيجية دفاعية بعد تأكيد حصرية السلاح؟
قبل 19 عاما، دخلت عبارة جديدة القاموس السياسي اللبناني، هي “الإستراتيجية الدفاعية”. كان ذلك خلال طاولة الحوار التي جمعت مختلف الأفرقاء، موالاة ومعارضة، أو ما كان يسمى قوى 14 و8 آذار.
عامذاك، كان الاصطفاف والانقسام قد أفرزا شرخا كبيرا في الحياة السياسية، لا بل في المجتمع اللبناني برمّته.
في 2 آذار (مارس) 2006، طرحت الإستراتيجية في مجلس النواب للمرة الأولى على طاولة الحوار الوطني. وُضع العنوان ولم يتفق المتخاصمون على سبل تنفيذه.
ولكن قبل ذلك، كانت “ورقة التفاهم” بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” قد وقّعت في 6 شباط (فبراير) 2006، وورد فيها ما حرفيته: “حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة إستراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها”.
بقيت تلك العبارات حبرا على ورق. اجتمع المتحاورون، وما هي إلا أشهر حتى وقع عدوان تموز (يوليو) 2006. و”بلّلت” أوراق الإستراتيجية الدفاعية بعبارة “لو كنت أعلم”… دخلت البلاد مرحلة الحرب، ووجد اللبنانيون أنفسهم أمام تأكيد تضامنهم الوطني ورفض همجية العدو الإسرائيلي، في امتحان متجدد.
في نظر “حزب الله”، كانت الإستراتيجية بديهية لتكريس حق المقاومة، منذ إعلان “التحرير والنصر” عام 2000. أما في رأي الأفرقاء الخصوم، فكانت مبررا أو ذريعة لاستمرار المقاومة، بما يشكله الأمر من ازدواجية فاضحة تنتهك سيادة الدولة اللبنانية وقرارها الحصري في الحرب أو السلم.
حوارات… و”إعلان بعبدا”
بقيت الإستراتيجية الدفاعية الحاضر الدائم في كل جلسات أو طاولات الحوار التي عقدت، انطلاقا من كونها “بندا خلافيا”، وكانت كل البيانات الوزارية تحاول الالتفاف حولها من باب تكريس معادلة “المقاومة إلى جانب الجيش”.
خلال كل هذه النقاشات، كان “حزب الله” ينطلق من ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” ليفسر مضامين الإستراتيجية، إلا أنه أحيانا كثيرة كان يتجاوزها إلى حدّ التفرد بالقرار. وحاولت المعارضة عبثا التحرّر من هذه الثلاثية. وعلى مراحل، غرقت البلاد في صراعات داخلية، وأحيانا كثيرة كانت دموية، مثل حوادث 7 أيار (مايو)، إلى أن كان “إعلان بعبدا” الذي شكّل محطة مهمة في قلب الإستراتيجية.
في 11 حزيران (يونيو) 2012، كانت المحاولة الأولى لوضع الإستراتيجية حيز التنفيذ، إذ صدر في متن “إعلان بعبدا”، وتحديدا في البند 16 منه الآتي: “تحديد الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الإثنين في 25 حزيران (يونيو) الجاري، موعدا للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها، والتي ستكون الإستراتيجية الوطنية للدفاع في صلب المناقشات”.
وهكذا دواليك. عقدت جلسات الحوار في 25 يونيو وما تلاه، وكان بند الإستراتيجية، من داخل القصر الجمهوري، يؤجل من تاريخ إلى آخر، إلى أن وُضع السلاح منطلقا للمناقشة من دون التوصل إلى إجماع أو أقله إلى توافق.
أما في عهد الرئيس ميشال عون، فتجددت الدعوة إلى “حوار وطني” من أجل مناقشة الإستراتيجية الدفاعية، لكن الدعوة لم تلبّ. بعدها، دخلت البلاد في أزمات متتالية، إلى أن حلّ الشغور الرئاسي المطبق للأكثر من سنتين.
اليوم، أي جديد سيقدمه عهد العماد جوزف عون على صعيد الإستراتيجية، ولاسيما أنه تعهد العمل على حصرية السلاح بيد الدولة؟ والأهم، هل من حاجة بعد إلى هذه الإستراتيجية في ظل القرارات الدولية، وأولها القراران 1559 و1701، واتفاق وقف النار الموقّع قبل نحو شهرين؟!