لهذه الأسباب لن يعود “الحزب” كما كان رغم رغبة الحرس الثوري

لهذه الأسباب لن يعود “الحزب” كما كان رغم رغبة الحرس الثوري

الكاتب: رياض قهوجي | المصدر: النهار
17 كانون الثاني 2025

حدثت تطورات السنة الأخيرة صدمات عدة في صفوف القيادات الإيرانية، وتحديداً لدى الحرس الثوري الذي شاهد معظم ما بناه من قدرات ونفوذ في الشرق الأوسط يتلاشى تحت وطأة الضربات الإسرائيلية. وتشهد أروقة صنع القرار في طهران اليوم جدلاً واسعاً بين قيادات الحرس الثوري المتشددة ومسؤولين من تيارات مختلفة، حول الاستراتيجية التي على الجمهورية الإسلامية اعتمادها للانتقال الى مرحلة جديدة تواكب المتغيرات الضخمة والمستمرة مفاعيلها في المنطقة، بخاصة في لبنان وسوريا. وبحسب مصادر إيرانية متعددة، يدفع فريق الرئيس مسعود بزشكيان نحو اعتماد استراتيجية جديدة مبنية على الديبلوماسية والقوة الناعمة لرفع العقوبات وتعزيز العلاقات بدول الجوار وتفادي تعرض إيران لأي هجمات ضد البرنامج النووي أو البنية التحتية، ولإعطائها فرصة لإعادة تجميع قواها والاستمرار قوة مؤثرة في المنطقة. وتشير مصادر عدة إلى أن قيادات الحرس الثوري تتمسك بالاستراتيجية السابقة القائمة على استخدام الوكلاء لتوفير خط دفاع متقدم، وأداة لفرض النفوذ الإقليمي.

ويسيطر الحرس الثوري على مفاصل عديدة ومهمة في إيران وتحديداً الأمن والاقتصاد، ما يعطيه إمكانات ضغط كبيرة على التيارات المعتدلة أو الوسطية التي يقودها الرئيس السابق حسن روحاني. وبحسب تصريحات المرجع الأعلى علي خامنئي، يبدو أنه أقرب إلى التيار المتشدد. لكن رغبة هذا التيار في إعادة بناء ما كان يملك من قدرات إقليمية قبل أربعة أشهر دونها تحديات جمة تجعلها شبه مستحيلة. فإعادة بناء “حزب الله” كما كان ليست بالعملية السهلة، فالحزب  بلغ القوة التي كان عليها حتى منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي بعد جهد مضن بدأ عام 1982وشهد مراحل عديدة واستثمار عشرات مليارات الدولارات. وما كان كل ذلك ليتحقق لولا وجود نظام الأسد (الأب والابن) في سوريا الذي وفّر جسر العبور جواً وبراً وبحراً للسلاح والمال ولضباط الحرس الثوري. وأوجدت هيمنة نظام الأسد على القرار السياسي في لبنان مساحة لإيران لتؤسس وجودها العسكري وتتحرك بحرية في عملية بناء دويلة “حزب الله”.

كما أن من أسرار نجاح “حزب الله” هو وجود قيادات تتمتع برؤية سياسية وعسكرية مميزة مكّنتها من بناء قاعدة شعبية واسعة عابرة للحدود، وفي بعض المراحل عابرة للطوائف. وأهم هؤلاء القادة هم عماد مغنية والجنرال قاسم سليماني والسيد حسن نصرالله. ومع اغتيالهم جميعاً في مراحل مختلفة مع معظم قادة الصفين الأول والثاني والثالث، فإن الحزب اليوم يفتقد الرؤية والقيادة المؤثرة. وتحاول القيادة الجديدة الحفاظ على ما بقي من الدويلة من سلاح ومال ومقومات أخرى لتظهر لقادة الحرس الثوري والمسؤولين في طهران أنها قادرة على الاستمرار. إنما الوقائع على الأرض تشير إلى حقيقة معاكسة.

قيادة الحزب الجديدة تجد نفسها أمام الواقع التالي: القصف الإسرائيلي دمر كل العقارات التي يملكها الحزب أو له استثمارات فيها، ودمر مراكز مؤسسته المصرفية – القرض الحسن –  وجزءاً كبيراً من قدراته الصاروخية (حوالى 70٪ بحسب تقديرات استخبارية غربية) وقتل العديد من العناصر والقيادات الميدانية النخبوية. كما تمكن الجيش الإسرائيلي من تدمير خطوط دفاع الحزب الرئيسية بعمق عشرة كيلومترات وفرض اتفاقاً، أنهى فعلياً وجود الحزب العسكري جنوب الليطاني وأفرغه من مضمونه شمالاً. كذلك منح الاتفاق سيطرة تامة للجيش اللبناني على مطار رفيق الحريري وميناء بيروت، ما يقطع خطوط إمداد أخرى للحزب. باختصار، الحرب الإسرائيلية نفت قدرات “حزب الله” الوجودية.

وفقدت دويلة الحزب غطاءها السياسي الذي كانت توفره رئاستا الجمهورية والوزراء قبل انتخاب الرئيس جوزف عون. ومع سقوط النظام السوري فقد الحزب خط الإمداد الرئيسي للمال والسلاح من إيران، بعدما كانت أعمال الحزب في سوريا تدرّ عليه أموالاً طائلة. حتى أن الآلة الإعلامية لـ”حزب الله” فقدت زخمها مع فقدان نصرالله الذي كان يملك كاريزما ورصيداً شعبياً لا يمكن تعويضهما. فإسرائيل كان تعرف ماذا تفعل عندما استهدفت أيضا خليفة نصرالله السيد هاشم صفي الدين.

ويواجه الاقتصاد الإيراني مزيداً من المشاكل مع استمرار السقوط الحر للريال، في وقت تترقب فيه الأوساط في طهران بقلق شديد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني /يناير الجاري، وهو الذي وعد بإحياء سياسة الضغط الشديد اقتصادياً، وإمكان شن عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. وعليه، يشكك العديد من الأوساط الإيرانية في قدرة النظام على تمويل إعادة تكوين الحزب في لبنان أو دعمه بمليارات الدولارات، لمساعدة جمهوره على إعادة اعمار منازله التي تهدمت. حتى أن ما هو متوافر من مال سيكون من الصعب ايصاله إلى الحزب في ضوء المتغيرات الأخيرة.

وعليه، فحالة النكران عند بعض قيادات الحرس الثوري و”حزب الله” ستزول بفعل الوقائع. وقد يعمد بعضهم الى الاستمرار عبر محاولة تسويق وهم تغيير الواقع فقط من منطلق عقائدي أو لسبب بسيط وهو الاستمرارية في العمل. فضباط “فيلق القدس” سيصبحون بلا عمل ودور مع إغلاق الساحتين السورية واللبنانية، ما يقلص تأثير الحرس على السياسة الخارجية الإيرانية. وتحذر جهات أمنية الحزب من محاولة دعم مجموعات من فلول النظام في سوريا على أمل تغيير الواقع، منبهة إلى وجود حوالى مليوني لاجئ سوري في لبنان قد تستخدمهم السلطات الجديدة في دمشق ضده. عصر الدويلة انتهى، وأمام قيادات “حزب الله” فرصة ثمينة لتتحول إلى حزب سياسي فاعل في خدمة الدولة اللبنانية حصراً، لتحقيق هدفها المشترك مع باقي اللبنانيين وهو تحرير ما تبقى من أراض محتلة وإعادة بناء ما تهدم من منازل وقرى لتمكن أهلها من العودة إليها في أسرع وقت.