
تنويه بموقف البطريرك الراعي من التطبيع والسلاح: لبنان بين عقلانية اللحظة وضرورات السيادة
يشهد لبنان حراكا داخليا يتسم بدرجة عالية من التعقل والتريث، في لحظة سياسية وأمنية دقيقة تمر بها البلاد. وبرزت جهود ملحوظة لتبريد الرؤوس الحامية على ضفتي الانقسام السياسي، بتولي العقلاء في كل من الفريقين مسؤولية ضبط الخطاب وتحييد الساحة اللبنانية عن مزيد من التوتر والانقسام.
ويسجل في هذا السياق دور لافت لأولئك المتموضعين في الوسط، الذين نجحوا في خلق مساحة مشتركة ولو محدودة، ساعدت على منع الانزلاق نحو التصعيد، سواء في الميدان أو في الخطاب السياسي، بما يتماشى مع المصلحة الوطنية الجامعة.
وأوضح مرجع سياسي بارز لـ «الأنباء»: «هذه الجهود العقلانية ترافقت مع اتفاق غير معلن، لكنه واضح المعالم، على عدم الانجرار إلى المصيدة الإسرائيلية التي تسعى إلى حرف وجهة المواجهة عن مسارها الطبيعي. فإسرائيل التي تعاني ديبلوماسيا في مواجهة المطالب الدولية بإنهاء الاحتلال للأراضي اللبنانية وتحرير الأسرى وتثبيت الحدود البرية، تحاول أن تحول النقاش نحو نزع سلاح المقاومة والتطبيع. وهذا من شأنه إشعال الساحة الداخلية وفتح الباب أمام فتنة لبنانية – لبنانية، إلا أن التفهم العابر للمحاور لهذا المخطط، كان كفيلا بتثبيت معادلة الخصومة السياسية تحت سقف السيادة الوطنية، ومنع العدو من تحقيق هدفه».
وأكد المرجع على انه «وفي خضم هذه الأجواء، جاء موقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي ليشكل سقفا جامعا، اذ شدد على أن السلاح لا يجب أن يكون خارج الشرعية، ولكن الحل لهذه المسألة يجب أن يكون لبنانيا بامتياز، رافضا في شكل قاطع الانخراط في أي عملية تطبيع مع إسرائيل، قبل معالجة كل الاعتبارات الوطنية والحقوقية والسيادية، التي لا تزال قائمة منذ نشوء الكيان الإسرائيلي، وفي طليعتها حق العودة ورفض الاحتلال، واحترام القرارات الدولية. بذلك وضع الراعي معيارا متقدما للموقف الوطني، يراعي التوازنات الدقيقة ويمنع التفلت، ويكرس دور بكركي كضامنة للوحدة، لا كطرف في التجاذب».
وقال المرجع: «في العمق، تشكل المواقف المتزنة الصادرة عن الرؤساء الثلاثة ركيزة لتفاهم ضمني أوسع، جرى التفاهم عليه بهدوء، وارتضت به مختلف القوى السياسية بصيغ مختلفة. مواقف تقوم على الالتزام الجماعي بسقف الموقف الرسمي اللبناني في كل ما يتعلق بالقضايا السيادية، وعلى رأسها تنفيذ القرار الدولي 1701، بما يضمن الحفاظ على الاستقرار الأمني في الجنوب، وحماية التماسك الداخلي من أي اختراق خارجي. وهذا ما يجعل من التماهي مع هذا الموقف الرسمي ضرورة وطنية في ظل اللحظة الإقليمية الملتهبة، إذ يشكل القرار 1701 أرضية واقعية لإدارة النزاع لا لتفجيره، ومنصة لتحصين الموقف اللبناني لا لإضعافه».
وشدد المرجع على «ان ما يجري خلف الكواليس من تفاهمات عقلانية، وما يصدر في العلن من مواقف موزونة، يؤشر إلى وعي لبناني آخذ في التبلور، يعيد تعريف الأولويات الوطنية، ويؤسس لمعادلة داخلية جديدة تتجاوز الانقسامات الآنية، وترتكز على مفهوم السيادة الشاملة، بعيدا من المزايدات، وبمنأى عن الاستدراج الإسرائيلي الذي طالما راهن على الخلافات لخرق الجبهة اللبنانية الداخلية».