الحكومة قريبة وعلى قياس خطاب القَسَم
كشف انتخاب الرئيس جوزاف عون أنّ لبنان دخل مسار تغيير سياسي هو الأعمق منذ الاستقلال. والخطوة التالية ستكون استكمال بناء السلطة التنفيذية بحكومة تتبنّى العناوين المرفوعة في خطاب القسَم. ويبدو أنّ ولادة هذه الحكومة لن تتأخّر.
تبدو عملية الإنقاذ التي يدخل فيها لبنان، والتي تحظى بتغطية عربية ودولية غير مسبوقة، مرتبطة عضوياً بمسار إطفاء الأزمات في الشرق الاوسط ككل.
ويجري تحضير الأرضية لهذا المسار بنحو عاجل، ليواكب انطلاق ولاية الرئيس دونالد ترامب في 20 من الجاري. وأبرز العلامات في هذا المجال:
1- الضغوط الأميركية الضخمة على إسرائيل و«حماس» لكي تستعجلا التوصل إلى صفقة تبادل وإنهاء للحرب في غزة، خلال أيام.
2- ممارسة ضغوط مماثلة على القوى المعنية لإنهاء الحرب في لبنان، مع ختام مهلة الـ60 يوماً، أي في 27 كانون الثاني الجاري. وفي هذا الصدد، يريد الأميركيون تحقيق انسحاب إسرائيلي فعلي وكامل من الجنوب، لتطمين اللبنانيين إلى أنّ حدودهم الجنوبية ليست قابلة للمس. وفي المقابل، وبالمقدار عينه من الحزم، يعمل الأميركيون على سحب كل سلاح غير شرعي من الجنوب، وفي شكل تام، لتطمين إسرائيل إلى أنّ أمنها في الشمال لن يُمس بعد اليوم. وبهذا التطمين المتبادل، يلتزم الجميع اتفاق وقف النار الأخير، المبني على القرارات الدولية 1701 و1559 و1680. وهذا يعني أنّ سحب أي سلاح غير شرعي سيشمل الأراضي اللبنانية كلها والمعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية كافة، وبضمان أممي. والتزام لبنان بهذا الأمر من شأنه تعطيل الامتياز الذي حصلت عليه إسرائيل بمباركة أميركية، والذي تمارسه حالياً، والقاضي بمهاجمة أي هدف في لبنان تعتبره عدائياً، إذا لم يقم اللبنانيون أنفسهم بتعطيله.
3- الانقلاب الذي أخرج سوريا تماماً من محور روسيا ـ إيران، بما له من تأثير على الشرق الأوسط بأسره.
4- تَراجع نفوذ إيران بشدة، بعدما خسرت غالبية أذرعها الإقليمية.
إذاً، إعادة بناء الدولة في لبنان تتمّ بتغطية عربية ودولية مباشرة، لأنّها جزء من ترتيبات إقليمية يجري تحضيرها بإصرار. ولذلك، يصعب على أي طرف أن يواجهها، حتى الإسرائيليون. واللافت أنّ الاستطلاع الذي نُشر في إسرائيل، قبل يومين، أظهر أنّ نتنياهو سيخرج من السلطة إذا جرت انتخابات اليوم. وهذا الاستطلاع يتقاطع مع التوقعات بسقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية بعد إطفاء الجبهات المفتوحة حالياً، وأن تتولّى السلطة قوى أكثر اعتدالاً واستعداداً لإبرام الصفقات. وهذا ما يريده ترامب وفق كثير من المحللين. وفي أي حال، ما يعني لبنان حالياً هو انسحاب إسرائيل الفعلي والكامل من الجنوب. ويقال إنّ اللبنانيين حصلوا على تعهد من واشنطن بذلك. وإنّ هذا الانسحاب ونجاح وقف الحرب هما المدخل الحقيقي لبدء ورشة الإصلاحات في الداخل.
بعض الأوساط في المعارضة (السابقة) ما زال يخشى أن تلجأ القوى الممسكة بالسلطة إلى أسلوب التمييع و«التشاطر»، لعلها تحتفظ ببعض الامتيازات. لكن الاقتناع الغالب هو أنّ «حزب الله» سيدعم خطوات العهد لاطمئنانه إلى النهج الذي سيتبعه، ولأنّ القوى السياسية كافة ستبقى في صلب أي مفاوضات تتعلق بتنفيذ اتفاق وقف النار، علماً أنّ «الحزب» واكب مفاوضات وقف النار، عن كثب، ووافق على الاتفاق بصيغته الأخيرة، وتعهَّد بتنفيذه.
الامتحان الأول أمام العهد هو استكمال بناء السلطة الإجرائية بتشكيل حكومة تنسجم مع البرنامج الرئاسي، كما أعلن الرئيس نجيب ميقاتي، بدءاً باختيار الرئيس العتيد للحكومة. وبديهي أن تفضل قوى السلطة الحالية أن يأتي هذا الرئيس من نادي الاسماء التي «جربتها». لكن المعارضة قادرة على تقديم الاسم الذي يناسبها، والذي لا يشكّل استفزازاً لأحد، ويتبنى برنامج الرئيس بكامله. وثمة من يقترح تكرار «سيناريو» انتخاب الرئيس جوزاف عون لاختيار الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة.
فالمعارضة (السابقة) نجحت في منح جوزاف عون، في الدورة الأولى، 71 صوتاً، ويمكن أن تُضاف إليها بضعة أصوات أخرى لمعارضين كانت لهم اعتراضات تقنية كمسألة تعديل الدستور أو سواها. أي إنّ المعارضة تستطيع أن تصبَّ قرابة الـ75 صوتاً لمصلحة شخصية سنّية تريدها لرئاسة الحكومة. وهذا «البلوك» النيابي قادر بسهولة على ترجيح الاسم في الاستشارات النيابية الملزمة. لكن شرطه الأساسي هو عدم شرذمة الأصوات وتوزيعها على مرشحين للمعارضة أو أكثر. وما يُقال عن تسمية رئيس الحكومة يُقال أيضاً عن تشكيلة الحكومة وبرنامجها. فباستطاعة المعارضة (السابقة)، بهذه الغالبية، أن تأتي بالحكومة التي تتلاءم مع برنامج الرئيس ولا تناقضه. وسيكون مثالياً تأمين دعم شامل لهذه الحكومة، يشبه الدعم الذي تحقق حول الرئيس. وميزة الانسجام بين رئيسي الجمهورية والحكومة عبّر عنها جوزاف عون في خطاب القسم، ستدوم طويلاً، وستكون حيوية لنجاحه.
يقول نائب خبير: «نحن على ثقة في أنّ بناء الدولة سينطلق، لأنّ اتجاه التحولات في الشرق الأوسط سيكون ملائماً للبنان. فهذه المرّة، الوقت لا يلعب ضدنا. وبدءاً من تشكيل الحكومة، يمكن الرهان على أنّ الدولة التي تعهّد بها الرئيس جوزاف عون في خطاب القَسَم ستولد ولو استغرق استكمال بنائها بعض الوقت. فأمام العهد 6 سنوات كاملة. وهي مدة ستسمح بتحقيق عدد هائل من الإنجازات التاريخية التي لطالما بدت للبعض مستحيلة.