ترامب شدَّ الخناق بقوة على “الحزب” وإيران

ترامب شدَّ الخناق بقوة على “الحزب” وإيران

الكاتب: طوني عيسى | المصدر: هنا لبنان
13 آذار 2025

يريد ترامب تعميم مناخ من التفاوض والصفقات في سائر الملفات، وقد يستغرق تحقيق الإنجازات في بعضها وقتاً طويلاً نسبياً، لكن مجرد التهدئة وانطلاق المفاوضات في أجواء تفاؤلية سيؤدي إلى حشر إيران في موقع ضعيف وقطع تواصلها مع “الحزب”، ما يضطرهما معاً إلى تقديم التنازلات وقبول التسويات

 

بعد سقوط الأسد، قال الشيخ نعيم قاسم ما معناه: طوّلوا بالكم. ما زالت لنا طرق كثيرة للحصول على السلاح. ويومذاك، ظنّ كثيرون أنّ الرجل يقول هذا الكلام لرفع المعنويات لا أكثر. ولكن، تبيّن أنّ قاسم كان يعني ما يقوله، وأنّ “الحزب” ما زال يراهن على دخول السلاح والمال، إما عبر المطار والمرافئ، وإما عبر نقاط العبور الشرعية وغير الشرعية من سوريا. وهذا ما أظهرته مواجهات “الحزب” مع الدولة في المطار وحقيبة المليونين ونصف المليون دولار، واشتباكه مع قوى سورية على الحدود في منطقة الهرمل، حيث حاول الدفاع عن خط إمداداته القديم من داخل الأراضي السورية.

لكن ما حدث في الساحل السوري أخيراً كشف أنّ “الحزب” ذهب أبعد من ذلك. فهو بقي يراهن على تحولات في سوريا تسمح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء. وبمعزل عن صحّة اتهامات البعض له بتزويد المتمردين بالسلاح، فإنه واقعياً المستفيد الأول من تزعزع نفوذ الحكومة السورية الجديدة على خط الحدود الممتد من الهرمل إلى عكار، لأنّ ذلك يسمح له باستعادة الحركة في الجسر الإيراني.

الضربة التي تلقاها المتمردون هناك كانت قاسية وأدت إلى نتائج معاكسة. فقد نجح الجيش السوري في قمع التمرد، بمعزل عن التجاوزات الإنسانية الخطرة والمؤلمة التي شابت هذه العملية، واتخاذها أحياناً طابع التصفية الطائفية. وينفذ الجيش عمليات تمشيط للمنطقة ستؤدي إلى إحكام السيطرة عليها. واتضح بعد ذلك أنّ السلطة السورية حظيت بدعم من الولايات المتحدة وقوى إقليمية ودولية أخرى نافذة لحسم الموقف لمصلحتها. وسارعت إلى تنفيذ خطة تتصف بأعلى درجات الاحتراف، من شأنها قطع المؤن العسكرية الآتية من إيران، عبر الحدود العراقية، ومنع وصولها إلى “الحزب” نهائياً وفي شكل دائم وثابت. أي إنّ طموحات الشيخ نعيم قاسم سرعان ما أُحبطت، وبات على “الحزب” أن يرسم خططه في الداخل اللبناني بناء على معطيات جديدة، يستحيل فيها الحصول على السلاح، لا من خلال الممرات السورية السابقة ولا عبر المطار والمرافئ اللبنانية، حيث الإسرائيليون يترصدون كل حركة في لبنان، ليلاً ونهاراً، مستخدمين مسيّراتهم المزودة بتقنيات متطورة، ويبذلون كل جهد للحؤول دون حصول أي خرق، ولو اضطروا إلى ضرب الهدف مباشرة.

لكن الأهم هو المناخ الذي فرضته واشنطن في الأيام الثلاثة الماضية لتطويق إيران ومنعها من تكرار ما جرى في الساحل السوري. فقد سارعت إلى تغطية سلسلة اتفاقات مفاجئة بين الخصوم والأعداء في لبنان وسوريا وغزة. فقد جرى الاتفاق في الناقورة على إطلاق المفاوضات حول الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بضغط أميركي فولاذي على الطرفين. وتزامن ذلك مع اتفاقين لا مقدمات لهما بين الرئيس السوري أحمد الشرع وكل من الأكراد في الشمال الشرقي والدروز في الجنوب. كما أعلنت حركة “حماس” فجأة عن وجود فرص جدية لنجاح الجولة الثانية من المفاوضات حول غزة وملف الرهائن. وهذه التحولات الشرق أوسطية الإيجابية يلاقيها اتجاه حاسم لوقف الحرب في أوكرانيا، إذ تتجه المفاوضات التي تحتضنها المملكة العربية السعودية، والتي تضم واشنطن وموسكو وكييف، إلى الإعلان فعلاً عن إنهاء تلك الحرب، بعدما أنهكت الطرفين والعالم.

وهذا المناخ من التفاوض والصفقات، هو تحديداً ما يريد ترامب تعميمه في سائر الملفات. وقد يستغرق تحقيق الإنجازات في بعض هذه الملفات وقتاً طويلاً نسبياً، لكن مجرد التهدئة وانطلاق المفاوضات في أجواء تفاؤلية سيؤدي إلى حشر إيران في موقع ضعيف وقطع تواصلها مع “حزب الله”، ما يضطرهما معاً إلى تقديم التنازلات وقبول التسويات. فبعد انطلاق مفاوضات الحدود البرية مع إسرائيل، سيكون هناك ضغط فعلي لتنفيذ كامل بنود اتفاق وقف النار، سواء لجهة التزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها والانسحاب الكامل من لبنان، أو لجهة استكمال تسليم “الحزب” سلاحه إلى الدولة اللبنانية، لأنّ الذرائع التي لطالما استخدمها للاحتفاظ به ستزول.

وأما إيران فسيقدم إليها الأميركيون العصا والجزرة. وترامب هو من هواة الصفقات أساساً. وأما الحروب فلا يستسيغها إلا في أطر ضيقة، واضطرارياً، أي عندما يفشل أسلوب الضغط الدبلوماسي أو الاقتصادي. ومنذ أن وصل ترامب إلى البيت الأبيض، هو يحاول تخيير إيران بين التنازل “على الناعم” والتنازل بعد ضربات مدمرة. وحتى الآن، يبدي المرشد علي خامنئي إصراراً على المواجهة وعدم الرضوخ للولايات المتحدة. لكنه في النهاية سيضطر إلى التصرف وفقاً لما تمليه موازين القوى، وسوف يعقد الصفقة مع واشنطن من موقع الضعيف مقابل الولايات المتحدة. والنموذج هو فولوديمير زيلينسكي الذي عاند كثيراً ضغوط ترامب، وعلى مرأى من المليارات في مختلف أنحاء العالم. وبعد أيام قليلة، “راجع” حساباته، وقرر التنازل تماماً كما طُلب منه، لأن أي دولة لا تستطيع مواجهة مقدار الضغط الذي تمارسه واشنطن، خصوصاً بعدما نقلت روسيا من خصم إلى حليف، ونجحت في إخضاع طهران وقطع الطريق على الصين في الشرق الأوسط والعالم.