ماذا يخفي السجال بين جنبلاط وأورتاغوس؟

ماذا يخفي السجال بين جنبلاط وأورتاغوس؟

الكاتب: نور الهاشم | المصدر: المدن
21 نيسان 2025
قد يكون الردّ الذي ساقته نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الاوسط مورغان أورتاغوس بحق الرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، من أكثر اللحظات النادرة في التجربة السياسية الدولية، لكنه يخفي خطاً جديداً في الدبلوماسية كرّسه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، كما يخفي “سوء تقدير سياسي” في التعامل مع الوضع اللبناني الهشّ.

تنمرّ دبلوماسي
وتعليق أورتاغوس على جنبلاط، الذي قالت فيه “المخدرات مضرّة يا وليد”، ينطوي على تنمّر مارسته بحق الزعيم الدرزي، فهو أشبه بلغة يتحدثها المتنمرون من المعلقين في الشارع اللبناني، حين يُقال: “صنف المخدرات الذي يتعاطاه فلان، سيء”، تعقيباً على تصريح لا يعجب قائله! بالتالي، هي استخدمت مصطلحاً مهيناً، واتهمت جنبلاط بتعاطي المخدرات، والاصناف السيئة منها تحديداً، وهو أمر لا يجوز بالأعراف الدبلوماسية والسياسية بتاتاً.
دبلوماسية القوة و”الأمر المحتوم”
والخروج عن الأدبيات الدبلوماسية، ليس جديداً في تجربة الرئيس ترامب، التي يبدو أنها باتت علامة دامغة في إدارته. افتتح ترامب هذا النموذج من التعالي والتنمر، حين استقبل الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، في ما بدا أنه يشرعن “دبلوماسية القوة”.. وانسحب الأمر الى أورتاغوس التي سخرت وانزلقت إلى التنمر، ويحمل تعليقها دلالة متصلة بـ”دبلوماسية الأمر المحتوم”، بمعنى أن ما تراه، استناداً إلى القوة، مكتوب لا يمكن التعديل به.. وهو ما يمكن قراءته في التعليق.
خلافات في العمق
والحال أن الخروج عن الأدبيات الدبلوماسية، ينطلق من بُعد آخر، يتصل بالمسافة السياسية والشخصية بين جنبلاط وأورتاغوس. ففي زيارتها الثانية إلى لبنان، لم تلتقِ أورتاغوس بجنبلاط، مما يدل على بُعد المسافة، علماً أن أغلب زيارات المبعوث الرئاسي الاميركي إلى بيروت في عهد إدارة جو بايدن، آموس هوكشتاين، كان يلتقي فيها بوليد جنبلاط، ثم إن المسافة السياسية بين جنبلاط وإدارة ترامب، متباعدة، وذلك على خلفية التطورات في المنطقة.

دعم إسرائيل

فإدارة ترامب، التي تدعم اسرائيل ومخططاتها من دون هوادة في هذا الوقت، تختلف مع جنبلاط في ملفين، أولهما ملف دروز السويداء الذي يصر على عمقهم العربي والحفاظ عليه، فيما تمعن إسرائيل تغولاً في سوريا وتحاول تقسيم الموحدين الدروز.. أما في لبنان، فتنطلق مقاربته لملف الحزب من تجربة متصلة بالتوازنات اللبنانية، وضرورة حماية الاستقرار، والاستعانة بالحوار والتوافقات والضمانات لإنهاء ملف سلاح “حزب الله”.
غير أن هذا الأمر لا تأخذه الإدارة الاميركية على محمل الجد، وترى، بدعمها لبقاء اسرائيل في النقاط المحتلة واستمرار الخروقات، ضغطاً عسكرياً لإجبار الحزب على تسليم السلاح، فيما ترى الولايات المتحدة أن الجيش يجب أن يتصرف بالقوة، وهو ما تحاذره القوى السياسية اللبنانية، ومن ضمنها جنبلاط.
الأميركية القبيحة وفشل المهمات
هذا التباعد بالسياسة، دفع جنبلاط للرد عليها بالدلالة السياسية. فما قاله، “الأميركية القبيحة مورغان أورتاغوس”، هو عنوان فيلم أميركي يروي قصة سفير أميركي يسافر إلى دولة في جنوب شرق آسيا في مهمة لحفظ السلام، لكن قدرته التحليلية لا تسمح له برؤية الوضع السياسي إلا بأبسط صورة: صراع بين الشيوعية والديمقراطية، وبحلول الوقت الذي يتمكن فيه السفير أخيراً من رؤية الاضطرابات السياسية كأمر أكثر تعقيداً، قد يكون الأوان قد فات.
في الشكل، رد جنبلاط بالمقاربة نفسها التي اعتمدتها أورتاغوس، لكنه في العمق دفع برسالة بالغة الأهمية تفيد بأنها “قصيرة النظر”، وغير محترفة في مهمتها، تماماً مثل بطل فيلم “The ugly American”، الصادر في 1962، وكلاهما دبلوماسي لا يتعطى في التعقيدات العميقة للأزمات.