بين “حانا” تفاهم 27 تشرين و”مانا” الضمانات الاميركية ضاعت “لحانا”

بين “حانا” تفاهم 27 تشرين و”مانا” الضمانات الاميركية ضاعت “لحانا”

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
28 كانون الثاني 2025

على وقع المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي بحق المدنيين العائدين إلى قراهم المحرّرة، عاشت البلاد ساعات من القلق، أحيت في أذهان البعض ما انتهت اليه الحروب المتقطعة التي خاضتها إسرائيل مع العرب منذ عقود، إلى قضم أراضٍ ومزارع لبنانية على طول الحدود، وخصوصاً إن احتفظت ببعض المواقع المحتلة لتُضاف إلى مثيلاتها. وعليه، طُرحت الأسئلة عن أخطاء ارتُكبت في التفاهم الأخير وما انتهى إليه. ولما لم يجرؤ أحد على الاعتراف بها، فقد تمّ تصحيح إحداها المتعلقة بالأسرى اللبنانيين. وعليه ما هو المقصود بهذه المعادلة؟
تقول الرواية التي أحيتها مواجهات الأحد والاثنين، والتي انتهت الى استشهاد 26 لبنانياً وإصابة ما يقارب من 150 آخرين، انّ إسرائيل قضمت على مدى العقود السبعة الأخيرة بعد احتلالها الأراضي الفلسطينية، عدداً من المزارع والتلال اللبنانية على طول الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بطريقة متقطعة وبتواريخ منفصلة بين حرب وأخرى. وهي تشكّل اليوم معظم النقاط الثلاثة عشرة المتنازع عليها وتجري معالجتها برعاية قوات “اليونيفيل” تمهيداً لإلغاء ما سُمّي “الخط الازرق” الخاص بالانسحاب الاسرائيلي عام 2000 عملاً بالقرار الأممي الرقم 425 والعودة إلى الحدود الدولية المرسومة منذ العام 1923 والتي حظيت باعتراف اسرائيلي ودولي في اتفاقية الهدنة التي عُقدت عام 1949 لمجرد عودتها إلى الخرائط المسجّلة لدى دوائر الأمم المتحدة منذ مئة وعامين.

على هذه الخلفيات قرأت المراجع السياسية والديبلوماسية بعضاً من جوانب ما شهدته القرى الحدودية المحرّرة أمس، والتي عاد إليها أهاليها بمؤازرة وحدات الجيش اللبناني التي كانت قد أظهرت حرصها على سلامة العائدين ودعوتهم للتريث إلى أن تنتهي من بعض التدابير الضامنة لسلامتهم بعد تنظيف المناطق المستعادة من الألغام والقنابل العنقودية وكل ما يشكّل خطراً على سلامتهم قبل السماح لهم بالتجول في مناطق تغيّرت معالمها الهندسية والجغرافية.

ولفتت هذه المراجع، إلى أنّه وفي ظل كل ما رافق الحركة الشعبية امس واول أمس، تعددت الأسئلة عن الجوانب الغامضة في تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 بالنظر إلى فقدان المواعيد الملزمة للانسحاب الإسرائيلي من القرى المحتلة والخاصة بنشر الجيش اللبناني و”اليونيفيل”، لتكون في عهدتهما ومنع أي ظهور مسلح غير شرعي بعد تفكيك المواقع الحزبية المسلحة وتفريغها من أسلحتها غير الشرعية. فلم يكن في علم احد أنّ مثل هذه المواعيد كانت من ضمن البنود الثلاثة عشرة من التفاهم. وإن وجدت بعناوينها العريضة فقد افتقرت إلى مواعيد محدّدة باليوم والساعة، كتلك التي تضمنها الاتفاق بين الاسرائيليين وحركة “حماس” بدقائقه المحدّدة طوال فترة الـ 42 يوماً، وهو ما أعطى الفريق الحمساوي المفاوض نقاطاً إضافية ميّزته عن بقية المفاوضين اللبنانيين مع العدو الإسرائيلي. وما زاد من الأخطاء المرتكبة أن قبل لبنان بوثيقة ضمانات أميركية أُعطيت لإسرائيل على هامش التفاهم مع الرئيس نبيه بري، متمتعاً بتفويض كامل من “حزب الله” قبل أن يحيله الجانب الاميركي إلى الحكومة اللبنانية. وهو الذي سمح لإسرائيل بارتكاب ما ارتكبته من انتهاكات، وبات كافياً أن تقنع الجانب الاميركي بتمديد احتلالها حتى 18 شباط ليكون لها ما أرادته.

ولذلك يعترف المطلعون على ما رافق المعالجات الجارية طوال مهلة الايام الـ60 الماضية انّه لم يكن لدى فريق الإشراف ومراقبة التفاهم اي مواعيد ثابتة ومحدّدة، ما جعل المهلة مفتوحة على مختلف الاستحقاقات والتي تمكنت إسرائيل من خلالها من النفاذ إلى طلبها مهلة اضافية لم يكن لها اي مبرر إن تمّ ربطها بوجود مسلحين من الحزب او من غيره، في منطقة أمعنت في تدمير ما كان قائماً فيها من مبانٍ ومنشآت تربوية وصحية واجتماعية وصولاً إلى تفجير مضخات المياه الخاصة بمشاريع الري الخاصة بالليطاني بحجة انّها عثرت على اسلحة في منازلها وفي أنفاق تقسّم قراها إلى شطرين او أكثر.

وإن دخلت هذه المراجع في التفاصيل الإضافية، فقد تبين انّ تفاهم 27 تشرين الثاني لم يلحظ اي فقرة او بند خاص بالأسرى اللبنانيين الذين خطفتهم اسرائيل او اسرتهم منذ بداية العملية البرية في الجنوب، كما انّه لم يلحظ اي اشارة إلى ضرورة حماية المناطق الأثرية المشمولة بمجموعة من التفاهمات والمواثيق الدولية، كما بالنسبة إلى المنشآت الحيوية الخاصة بالمياه والشبكات الكهربائية والبنى التحتية، ما افسح المجال امام التذرّع بوجود اسلحة وصواريخ ومواد متفجرة فيها وفي هذا المنزل او ذاك النفق وخلافهما لتفجيرها وتغيير معالم المناطق المحتلة، وكلها تعدّ من الأعمال الهندسية التي لا تلحظها العمليات العسكرية إبان الهدنة، وكان من الواجب ان يتضمن التفاهم تعهداً إسرائيلياً بعدم المسّ بما يؤدي إلى تغيير معالم المنطقة المحتلة.

عند هذه النقاط الأساسية التي انطلقت منها اسرائيل لطلب فترة تمديد احتلالها للقرى اللبنانية وتلالها الاستراتيجية في القطاع الشرقي بطريقة توازي ما احتلته من الأراضي إلى الجانب السوري منذ ان دخلت المنطقة المحايدة بين الجولان السوري المحتل واراضي درعا والسويداء والقنيطرة السورية بالإضافة الى مرتفعات جبل الشيخ الاستراتيجية التي كانت تحلم بالسيطرة عليها لتوسع نطاق سيطرتها على مساحات واسعة تمتد إلى دمشق والبقاع الغربي وراشيا. وهو ما يؤدي إلى رسم خط استراتيجي أضاف إلى الحدود المحتلة المقابلة للبنان بنحو 35 كيلومتراً بعدما اقتربت مسافة كيلومترات عدة من معبر المصنع بين لبنان وسوريا.

عند هذه الملاحظات وأهميتها البالغة لمجرد انّها كشفت ضعف المفاوض اللبناني وجعلته من الهواة إن قيس بقدرات وفد “حماس” المفاوض، لفتت هذه المراجع إلى انّ البيان الصادر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد أجرى تصحيحاً محدوداً للأخطاء المرتكبة لمجرد أنّه تناول في المفاوضات التي جرت مع لجنة الإشراف والمسؤولين الاميركيين لتمديد الاحتلال حتى 18 شباط المقبل، مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية والذين اعتقلوا بعد السابع من تشرين الأول، بناءً لطلب الحكومة اللبنانية، مشيرة إلى تعهد واشنطن بإجراء اللازم لترتيب هذه المسألة.

وعليه، توصلت المراجع إلى معادلة بسيطة قالت انّه ما بين “حانا” تفاهم 27 تشرين الثاني و”مانا” وثيقة الضمانات الاميركية لإسرائيل ضاعت “لحانا” اللبنانية ومعها عشرات الشهداء والجرحى المدنيين والعسكريين في الجنوب، إلى ان ينتهي مسلسل العودة.