هل يتوجب تعديل قانون الاتصالات لتفادي الاحتكارات؟

هل يتوجب تعديل قانون الاتصالات لتفادي الاحتكارات؟

الكاتب: سلوى بعلبكي | المصدر: النهار
25 شباط 2025

ليس جديداً القول ان سوق الاتصالات هي سوق ديناميكية دائمة التطور والتحديث. اما في لبنان فتعتزم الدولة اصلاح قطاع الاتصالات وتطويره من خلال التطبيق الكامل لقانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات الذي صدر منذ 23 عاماً، وهو ما ورد في مسودة البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
وفيما يصرّ خبراء على وجوب تعديل القانون قبل تطبيقه لتفادي الاحتكارات، تقول مصادر وزير الاتصالات شارل الحاج لـ”لنهار” أنه “رغم مرور 23 سنة على إقرار القانون 431، فإنه لا يزال صالحاً ولا يحتاج إلى تعديل، إذ ليست فيه مسائل تقنية، وتالياً، لم يؤثر عليه التطور الهائل الحاصل في قطاع الاتصالات. لذا، تؤكد المصادر أنه في ظل تناقص ملاك الوزارة وتفاقم مشاكل القطاع العديدة، فإن لبنان، يحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى الإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة للاتصالات، واستكمال إنشاء شركة ليبان تيليكوم، اللتين نص عليهما القانون 431.”
في المقابل، يرى خبراء في تنظيم الاتصالات ان عدم تعديل القانون قد يلحق ضرراً كبيراً بالقطاع لناحية التنظيم والتحرير والخصخصة، إذ أن القانون الحالي يضع اطاراً عاماً لتنظيم القطاع، لكنه لا يشمل آليات فعالة لكسر الاحتكارات وتعزيز التنافسية. فالآليات المطلوبة ليست تنفيذية لوضعها بمراسيم او تنظيمات، بل يجب ادراجها في القانون لالزام جميع اللاعبين بها بشكل حازم وبقوة النص القانوني. يضاف الى ذلك، التطور الكبير في وضع القوانين التنظيمية للاتصالات وتنفيذها وفقاً للمعايير الدولية منذ عام 2002 الى اليوم، إذ ثمة أمثلة وحالات كثيرة تدخلت في خلالها الهيئات الناظمة بطريقة جذرية في بلدان مثل بريطانيا والاتحاد الاوروبي واميركا وسنغافورة وغيرها، من غير الممكن ان تطبق مثيلاً لها الهيئة الناظمة في لبنان وفقاً للقانون الحالي.
وفي حين تكثر المخاوف من التحاق سوق الاتصالات اللبنانية بالقطاعات التي يعاني منها اللبنانيون في معيشتهم اليومية جراء الاحتكارات، تبرز في السياق دراسة سابقة صادرة عن البنك الدولي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد خلال تولي الوزير السابق باسل فليحان مهماته فيها. فبعد دراسة 300 سوق في لبنان، تبين أن التركز الاحتكاري مترسخ تاريخياً في بنية القطاعات اللبنانية. وسوق الاتصالات ليست بعيدة من ذلك، ففي عام 2017 تم تلزيم ثلاث شركات خاصة إنشاء شبكات الالياف البصرية وتقديم خدمات برودباند وتركيبها وتشغيلها، بعد تقسيم لبنان الى 3 مناطق، وهذا نموذج فاقع لانتقال الاحتكار من الدولة الى القطاع الخاص والتنفيعات الخاصة الكبيرة العائدة الى ذلك.
الانتقال الى إحتكارات القطاع الخاص سيكون اسوأ بكثير من الوضع القائم حالياً. فعلى رغم ادارة الدولة غير الفعالة في بعض الاحيان، بيد ان الهدف الاوحد لاحتكار القطاع الخاص يبقى الجشع، من خلال تعظيم الارباح على حساب جودة الخدمات في غياب منافسة حقيقية وهيئة ناظمة فاعلة تستمد سلطتها من قانون حديث. مع الاشارة الى أنه منذ عام 2017، اصبحت للقطاع الخاص بنية تحتية أساسية وشبكة ألياف بصرية رديفة لشبكة الدولة، تمكنه في المستقبل القريب من السيطرة شبه الكاملة على السوق من خلال إحتكارات عمودية.
من هنا، يرى خبراء وجوب اضفاء تعديلات جذرية على القانون 431 لمنع تمركز السوق، حيث تسيطر قلة من الشركات القوية على الصناعة والخدمات، بما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وضعف المنافسة، وانخفاض استفادة المستهلكين.
يمكن تلخيص التعديلات الأساسية المطلوبة لمنع الاحتكارات من خلال وضع قواعد المنافسة وتعزيزها، ووجوب أن يحظر القانون صراحة الممارسات المناهضة للمنافسة مثل تثبيت الأسعار، وتقاسم الأسواق، والتسعير الافتراسي. كما يجب أن تتمتع الهيئة الناظمة بسلطة مراقبة التنظيمات المتعلقة بالمنافسة وإنفاذها لجهة فرض عقوبات او غرامات، إضافة الى تطبيق الفصل الهيكلي والوظيفي لناحية ملكية البنية التحتية عن تقديم الخدمات، لمنع الاحتكارات العمودية. كما يجب أن تضمن الوصول المفتوح الى جميع مشغلي الاتصالات من استخدام البنية التحتية الأساسية بشكل عادل. إضافة الى تقييد التركز السوقي وعمليات الاندماج لمنع سيطرة عدد قليل من الشركات على السوق. كذلك ضرورة ضمان التراخيص العادلة والشفافة، وادراج تعديلات تفصيلية لحماية المستهلك وتنظيم الأسعار. إذ يجب أن يمنع القانون الاستغلال السعري من خلال السماح للهيئة الناظمة بوضع حدود للأسعار في حالات فشل السوق، وتطبيق لوائح أسعار الجملة لضمان وصول عادل للخدمات الأساسية. إضافة الى تشجيع دخول المنافسين الجدد وتقليل المعوقات أمامهم من خلال الزام الشركات فتح شبكاتها للمنافسين بأسعار عادلة.
إضافة الى كل ذلك، لا بد من تعديلات أخرى تقلل من التدخلات السياسية، مما يضمن استقلالية حقيقية لمجلس إدارة الهيئة الناظمة، وقبل كل شيء شروط التعيين في الهيئة والمواقع الأخرى، لتأتي بعيدا من المحسوبيات وتضارب المصالح، فالتجارب السابقة والحالية غير مشجعة على الإطلاق في هذا الإطار.