أميركيون غير رسميين يقترحون حواراً بين إسرائيل و”الحزب”؟
يمثّل انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، عودةً إلى محاولة جعل لبنان دولة حديثة موحّدة. وإذا برهن أنه قادر في السنوات القليلة المقبلة على ترجمة وعوده وتعهداته والتزاماته أفعالاً، فإن سياسات لبنان يمكن أن تستند بمرور الوقت إلى مواطنة ذات أساس صلب، لا إلى الطائفية والمذهبية كما هي الحال الآن، أو بالأحرى كما كانت عليه دائماً منذ أيام السلطنة العثمانية. الدليل تحوّلها “جمهورية غير مستقرة لا أُسس ثابتة لها”، وهذا وصف أطلقه عليها من زمان الدكتور مايكل هدسون الباحث والبروفسور الأميركي المعروف. طبعاً، حاول اللواء فؤاد شهاب بقوة القائد الأول للجيش، بعد انتخابه رئيساً للبنان عام 1958 وعلى مدى سنوات ست هي ولايته الرسمية، التغلّب على “شرعية الطائفية والمذهبية والاقطاعية” وإحلال دولة الشرعية وسيادة القانون وعدم التمييز بين المواطنين ومحاربة الفساد المستشري من زمان، وذلك انطلاقاً من شخصيته المتواضعة والعصية على الفساد في آن واحد. لكن الطبقة السياسية وقفت في وجهه وسدّت كل الطرق والمنافذ التي سلكها لبناء دولة المواطن والمساواة والقانون، إذ انتخبت رئيساً للجمهورية عام 1970 ينتمي إلى “الطبقة السياسية” نفسها التي حكمت منذ الاستقلال. تسبّب ذلك في ولايته كما في العهود الرئاسية التي خلفت عهده بالانحدار الرسمي والدولتي الذي تسارع مع الوقت. أوصل الأمر لبنان إلى حال تفكّك منطلق من طائفية ومذهبية متأصلتين ومن فساد مستحكم والحاجة إلى حامٍ من الخارج لكل طائفة ومذهب ودين. في هذه المرحلة وُلد “حزب الله” على أيدي الجمهورية الإيرانية، وصار جزءاً من مشروعها الإقليمي ومنفذاً ناجحاً له في بلده لبنان كما في سوريا، وحتى في العراق واليمن وقضية فلسطين. شكّل ذلك مشكلة إضافية للبنان، ولكن أكثر حدة من المشكلات الصعبة التي عاشها اللبنانيون قبل ذلك.
طبعاً لم يذكر العماد جوزف عون في خطابه الرئاسي بعد انتخابه “حزب الله”، وبدلاً من ذلك تعهد بتنفيذ واجباته رئيسا للجمهورية، وقائدا أعلى للجيش ورئيسا لمجلس الدفاع الأعلى، والعمل لاقتصار حمل السلاح واستعماله على الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، ولمحاربة الإرهاب والمحافظة على وحدة لبنان وسلامة أراضيه… بواسطة الجيش اللبناني.
هذا كلام يتردّد في واشنطن في الأوساط السياسية الرسمية وغير الرسمية والبحثية والإعلامية. ونجاح عون في هذا الأمر في ظل حرب إسرائيل على “حزب الله” في لبنان كما عليه، في رأي هؤلاء، ومنهم فريدريك هوف سلف آموس هوكشتاين في مهمة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، التي توسّعت لاحقاً لتشمل إعادة الاعتبار إلى خط الهدنة الذي رسمه المعنيون عام 1949 بعد “تأسيس دولة إسرائيل”، نجاح الرئيس عون يحتاج الى أن يقود عملاً ديبلوماسياً بالطرق المناسبة للتوسط غير المباشر بين إسرائيل و”حزب الله”. علماً أن خط الهدنة المذكور الذي سحبت إسرائيل موافقتها عليه بعد حرب 1967 تضمنه اتفاق الطائف الذي أعاد شكلياً بناء الدولة بعد حرب أهلية وغير أهلية استمرت من 1975 الى 1990.
طبعاً لدى هوف والعاملين الآخرين في الحقل العام الرسمي والسياسي والبحثي والإعلامي الأميركي مشروع خطة تتضمن أفكاراً مهمة تسمح بإنجاح الحوار. وهي تقضي باقتراح الرئيس عون، من خلال وسطاء موثوق بهم من لبنان الدولة ولبنان “حزب الله”، العودة إلى احترام اتفاق الهدنة، واستكمال البحث لاحقاً لتحقيق سلام بين الدولتين مع تطبيع العلاقات. لكن ما يعرفه هؤلاء كلهم هو أن الرئاسة اللبنانية عام 2025 لا تمتلك الصلاحيات التي كانت لها قبل إتفاق الطائف، وهي على وفرتها، لم تمكّن الرئيس فؤاد شهاب من بناء دولة. يعني ذلك أن استجابة الرئيس عون (الثاني) لنصائح من هذا النوع ستعرّضه وعهده والبلاد كلها ودولتها الفاشلة لمزيد من التفتت، وحتى الدمار. ذلك أن خطوة في الإتجاه المذكور أعلاه لا يمكن أن تنجح إلا بعد استتباب الاستقرار والأمن وقيام الدولة العادلة والوطنية لا الطائفية في لبنان، وبعد نجاح الولايات المتحدة في تحقيق تقدّم، ولو بطيئاً، على صعيد حل قضية فلسطين، ونجاحها في الوقت نفسه في توسيع اتفاقات أبراهام بانضمام السعودية ودول عربية أخرى إليه. والنجاح في الأمر المطروح أعلاه يحتاج إلى موافقة إيران الإسلامية رغم الضعف الذي أظهره في قطاعات عدة فيها “طوفان الأقصى” الذي نفّذته “حماس” و”حرب إسناد” غزة التي شنّها “حزب الله” ثم حرب إسرائيل نتنياهو على لبنان و”الحزب” في الأشهر القليلة الأخيرة.