أسرار ليلة الاستشارات: كيف تنازل “الحزب”؟

أسرار ليلة الاستشارات: كيف تنازل “الحزب”؟

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
14 كانون الثاني 2025

لم يكن طبيعياً، إذا أخذنا في الاعتبار سياق تبدّل موازين القوى في المنطقة، وطريقة انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، أن يتصوّر أحد أنّ رئيس الحكومة المقبل سيكون نجيب ميقاتي. ومع ذلك، سادت أجواء قبل يوم من موعد الاستشارات النيابية الملزمة، تفيد بأنّ حظوظ ميقاتي كبيرة. وأراد الثنائي الشيعي أن يصدّق هذه الأجواء، لأن لا خيارات أخرى أمامه سوى المناورة حتّى اللحظات الأخيرة، ولعب الأوراق المتبقّية لتحسين شروطه، ما أمكن.

لهذا السبب، سار الثنائي بـ “وهم” القدرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. واعتقد أنّ السعودية ربّما لا تمانع بالفعل في عودة ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، في إطار تسوية لا تؤدّي إلى “كسر الشيعة”، وتحفظ الحدّ الأدنى من التوازن الداخلي. وبالفعل، فإنّ عدداً لا بأس به من النوّاب اعتقد في بداية الأمر بصحّة هذا التوجّه. ولم يُعرف حتّى الآن من هو الطرف الذي أشاع أخبار “التسوية”، إلى أن انقلبت الصورة قبل ساعات من طلوع الصباح.

وتبيّن أن الموفد السعودي يزيد بن فرحان أبلغ كلّ من اتّصل به أن الرياض لا تتدخّل في تسمية رئيس الحكومة وفي لعبة الأسماء، بل ما يهمّها هو المواصفات التي يجب أن يتمتّع بها رئيس الحكومة اللبناني، ليكون قادراً على السير بالعملية الإصلاحية، مع رئيس الجمهورية الجديد الذي لاقى استحسان العالم، وأشعل الأمل في قلوب اللبنانيين. وهذه الصورة وحدها هي التي ستدفع السعودية إلى الانخراط مجدّداً في الساحة اللبنانية، وتجعلها تقدِم على المساعدة في إعادة الإعمار وتشارك في إنعاش الاستثمارات.

وتؤكد المعلومات أنّ ما تحدّث عنه الثنائي الشيعي، بعد مشاورات الساعتين اللتين فصلتا بين جلستي انتخاب رئيس الجمهورية، ليس فيه شيء من الصحّة. فالعماد جوزف عون لم يعطِ أيّ وعود أو ضمانات، سوى الوعود بأنّ الدولة ستحمي الجميع، ولن تفرّق بين لبناني وآخر في الحقوق والواجبات. إذ إنّ الوعود التي أشار إليها الثنائي، تشمل عودة ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، وتطمينات بأنّ القرار 1701 لا يشمل شمال الليطاني، إضافة إلى تعهّد باحتفاظ الشيعة بوزارة المال. ولكن خطاب الرئيس عون بعد انتخابه دحض كلّ هذه المزاعم. إذ أكّد حصرية السلاح بيد الدولة، والمداورة في وظائف الفئة الأولى. وكان خطابه شديد الوضوح لجهة أنّ الدولة هي وحدها التي ستقرّر من الآن وصاعداً.

وتقول المصادر أنّ الثنائي الشيعي أراد من الحديث عن ضمانات أُعطيت له، رفع معنويّات بيئته التي أُصيبت بانتكاسة كبيرة. وهو كان يعرف أن لا خيار أمامه سوى الاقتراع لقائد الجيش في الدورة الثانية. كما لم يكن أمامه أيّ خيار في الاستشارات سوى الامتناع عن التسمية، وليس تسمية نجيب ميقاتي. وبهذين الموقفين في انتخاب الرئيس وتسمية رئيس الحكومة، يكون الثنائي حافظ على خيط تواصل مع السلطة الجديدة، لأنّه بات يدرك أنّ  المقاطعة ليست مفيدة له، لا بل على العكس، هو يريد مشاركة فاعلة في الحكومة العتيدة.

أمّا بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر”، فإنّ جبران باسيل، الذي استُفرد في جلسة الانتخابات الثانية، عندما اقترع الثنائي للعماد عون، فيما هو لم يفعل، أراد التعويض في الاستشارات، عندما قرّر مجاراة الموجة العارمة بتسمية نوّاف سلام. وبهذه الطريقة، يحفظ باسيل مكاناً لنفسه وتيّاره في مسار السلطة الجديدة، خصوصاً أنّ التحالف السابق مع “حزب الله” قد انتهت مدّة صلاحيته.

من المتوقّع أن تتشكّل الحكومة العتيدة بسلاسة وسرعة. ولن يكون فيها ثلث معطّل بالتأكيد. كما لن يفرض أيّ طرف حقائب من هنا ومن هناك. فالانسجام موجود بين رئيس الجمهورية والحكومة، ويمكنهما التفاهم على توزيع المقاعد الوزارية. وهناك بعض المعلومات تفيد باحتمال التوجه إلى حكومة تكنوقراط في هذه المرحلة، على أساس أنّ ضمانة التمثيل موجودة في المجلس النيابي، فيما انتُخب كلّ من عون وسلام بأكثرية وازنة، تؤهّلهما للانطلاق في الورشة السياسية والأمنية والإصلاحية الضخمة. وإذا ما كانت الحكومة مؤلّفة من تكنوقراط، يمكنها العمل بسرعة على ملفات الاقتصاد والمصارف والودائع وإعادة برمجة الدين، إضافة إلى الكهرباء والطرق والنقل والإدارات العامة.

وفي هذا الوقت سيتولّى الجيش مهمّة الانتشار في الجنوب، تمهيداً لانسحاب القوّات الإسرائيلية المحتلّة، كما سيتولّى مسألة السلاح في الداخل في مرحلة لاحقة. وهناك ورشة عمل هائلة لإعادة الإعمار وإعادة الخدمات الاجتماعية للمواطنين. وسيجري كلّ ذلك بإدارة أميركية مباشرة وإشراف فرنسي على عدد من المشاريع، وربّما يعود الغاز للظهور في مياهنا الإقليمية.