الطائفة المجروحة

الطائفة المجروحة

الكاتب: امجد اسكندر | المصدر: نداء الوطن
4 شباط 2025

أضيفَ إلى قاموس السياسة اللبنانية مصطلح جديد هو «الطائفة المجروحة». ومن الطبيعي إذا جُرحت طائفة وَجَبَت مداواتها. والمداواة التي يُبحثُ عنها هي على قول الشاعر «وداوني بالتي كانت هي الداء»، أي «الثنائي الشيعي».

ومن السذاجة الاعتقاد أن تكريس وزارة المالية للشيعة، كافٍ لبلسمة الجراح.

الدولة بأمّها وأبيها يجب أن تمشي في ركاب «الثنائي»، ويجب أن يسود منطق «المقاومة الدائمة» وأن نُرَحِّل قيام الدولة المستقرة إلى حين زوال إسرائيل والاستكبار العالمي. وبعد هذا الزوال، المتاح للبنانيين «دولة إسلامية» تكون جزءاً من دولة ولاية الفقيه في إيران. وهذا تسلسل منطقي، فعندما نكون في قبضة «مقاومة إسلامية»، هل ننتظر بعد انتصار «إسلامية المقاومة» قيام دولة علمانية مثلاً؟

قبل بدعة «المالية» فرض الرئيس نبيه بري عام 1984 «وزارة إعادة إعمار الجنوب»، التي لم تُعمِّر طويلاً. وبري الذي أقام النهضة الإنمائية في الجنوب، بحيث انتقلت نظرية «الإنماء غير المتوازن» إلى مناطق أخرى، لا بد أنه ينظر بعين دامعة وقد تدمر كل شيء في شهرين. عدم التحسُّب لحماية هذا الإنماء، إذا أضفنا إليه استهتار «حزب الله» بموازين القوى، أثخن جراح كل لبنان، وليس فقط الطائفة الشيعية.

وعندما كانت الطائفة المسيحية مجروحة، باعتقال ونفي قادتها الفعليين وإقصاء أحزابهم عن العملية السياسية، لم يَبذل «الثنائي» أي جهد. وعندما جُرحت الطائفة السنية بمقتل رفيق الحريري، كان الرد بالحؤول دون قيام المحكمة الدولية، وبمقاطعة حكومة فؤاد السنيورة.

في هذين المَثلين حصل تعميق للجراح بدل المداواة. وبعدما أُدين «حزب الله» بمقتل الحريري، كانت النتيجة على قاعدة «رضي القتيل ولم يرضَ القاتل». وبعدما زج هذا الحزب لبنان في حرب كارثية، يُراد طمس ضرورة مساءلته بنظرية «الطائفة المجروحة»، التي لا تحتمل وزيراً مستقلاً ولو كان شيعياً.

ومن المفارقات أن مطالب «الثنائي» عنوانها الدائم التعطيل. تعطيل انتخابات الرئاسة، وتعطيل تشكيل الحكومة، وإذا خسر «الثلث المُعطل»، فلا بد من مراضاته بـ «الوزير المُعطل».

وعد الرئيس جوزاف عون بمناقشة استراتيجية أمن وطني تمكّن الدولة اللبنانية، وكَرَّرَ «الدولة اللبنانية»، من إزالة الاحتلال الإسرائيلي، فما هي ضمانات النجاح، إذا لم يتراجع «حزب الله» عن تهديده بكسر اليد التي تمتد إلى سلاحه؟

بدوره، يشدد الرئيس المكلف نواف سلام على تطبيق «دستور الطائف»، ولكننا في وضع يُجبرنا قبل تطبيق ما كُتب بالطائف، الاتفاق على ما لم يُكتب، أي تكريس وزارة بعينها لطائفة بذاتها.

العهد بكل ما أوتي من زخم سيكون في مواجهة مع هذه الوقائع، وقد نصل إلى مرحلة أقصى التمنيات فيها «إدارة الأزمات»، ووقت مستقطع لالتقاط الأنفاس.

في مقالة في «نداء الوطن» كتب الدكتور أنطوان مسرة «لا تقتصر ثقافة الدولة و «دولنة» المواطنية على نصوص قانونية، بل تتضمّن أبعاداً ثقافية وتربوية وفي عمق الذاكرة»، وذكَّر بقول لجورج نقاش مفاده «ما يحقّقه اللبناني على المستوى الفردي يدمّره على مستوى الوطن».

سنبقى في هذه الدوامة إلى أن نمتثل للآية الكريمة «إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم».