التّعيينات العسكريّة والأمنيّة: سلّة ملأها عون

التّعيينات العسكريّة والأمنيّة: سلّة ملأها عون

الكاتب: نقولا ناصيف | المصدر: اساس ميديا
14 آذار 2025

ليست التعيينات العسكرية والأمنيّة أمس في مجلس الوزراء اختباراً لما ستكون عليه لاحقاً تعيينات حاكمية مصرف لبنان والقضاء، ومن بعدها التعيينات الإدارية والتشكيلات الدبلوماسية، بمقدار ما يراد أن تعكس توازن قوى مستجدّاً بدأ مع العهد الجديد. لا رئيس الجمهورية انتخب توافقياً، ولا تسمية الرئيس المكلّف أُعدّ لها سلفاً، ولا تأليفه الحكومة أرضى الأفرقاء المعتادين على تكريس ما يتقاسمونه. تتويج ما حصل، الثقة بحكومة الرئيس نوّاف سلام، على أنّها تسليم مسبق ربّما بكلّ ما قد لا يُتوقّع أو يُتوقّع ولا يُرضي.

 

إذا صحّت المعلومات أنّ سلّة التعيينات العسكرية والأمنيّة ملأها الرئيس جوزف عون، فذلك يعني أنّه أُعِطي ما لم يُعطَ أيّ من أسلافه منذ عام 1989. ما يُقال، أنّه رشّح رودولف هيكل لقيادة الجيش، أنّه وراء تعيين رائد عبدالله مديراً عامّاً لقوى الأمن الداخلي، وهو حصّة سنّية مرجعيّتها السراي، وإدغار لاندوس مديراً عامّاً لأمن الدولة، للسراي حصّة فيه لأنّها مرجعية المنصب الذي يتبع لها، إضافة أخيراً إلى بتّ تعيين المدير العامّ للأمن العامّ حسن شقير على نحو غير مألوف منذ عام 2005.

لم يكن شقير مرشّح رئيس الجمهورية، مفضّلاً عليه رئيس فرع البقاع في مديرية المخابرات محمد الأمين، بينما رشّح الثنائي الشيعي مرشد سليمان. انتهى المطاف بالتعادل السلبيّ بشقير. المألوف للأمن العامّ، مذ أن وضع الرئيس إميل لحّود عام 1998 المنصب في الطائفة الشيعية مؤقّتاً، لأسباب لا ترتبط بها وبحصصها بمقدار ارتباطها بالشخص المعيّن، وهو جميل السيّد، كي يكون إلى جانبه في الجهاز الأوسع صلاحيّات في الأمن والسياسة، تمسّك الثنائي الشيعي ببقاء المنصب في حصّته على أنّه نهائي، وصار بعدذاك، منذ عام 2005 مع وفيق جزّيني ثمّ من بعده عبّاس إبراهيم، وحده المعنيّ باقتراحه وفرض الاسم وتعيينه على أنّه الموقع الموازي لقائد الجيش والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي.

إضعاف كمّاشة الثّنائيّ

ما كان للثنائي الشيعي أُعطي إلى الرئيس رفيق الحريري منذ وصوله إلى السراي على أنّه وحده مرجعية تعيين المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي، مثلما أُعطي وليد جنبلاط للمرّة الأولى عام 1991 تسمية رئيس الأركان، وهو ما لم يكن مرّة في تاريخ بيت المختارة. آنذاك خلافاً لقانون الدفاع، بأن صار إلى تعديله، جيء برياض تقيّ الدين ممّن سبق أن وُضعوا في الاحتياط رئيساً للاركان. على مرّ السوابق هذه، ما خلا الرئيس ميشال عون، لم يُعطَ أيّ من الرؤساء إلياس الهراوي وإميل لحّود وميشال سليمان تسمية قائد الجيش، فجيء بمَن لم يرشّحوه. بيد أنّهم اختاروا بأنفسهم المديرين العامّين المتعاقبين للأمن العامّ.

ما حصل أمس يشير إلى بضعة معطيات مقصود بها أن تعكس مغزى توازن قوى مستجدّ، ليس منفصلاً عمّا يتردّد همساً في أوساط رسمية عن حضور مباشر أميركي ـ سعودي لا يزال يواكب ما بدأ في 9 كانون الثاني ولم ينتهِ فصولاً:

  • أوّلها محاولة إسقاط ما عُدّ محرَّماً إلى الآن، وهو فصل المناصب العسكرية والأمنيّة عن مرجعيّاتها السياسية على أنّها ممثّلة لطوائفها وتملك باسم الطوائف أن تفرض مرشّحها فيها. لم يُترك للمرجعيّات هذه أن تأتي بمرشّحيها وترفع بها لوائح، بل صدرت ظاهراً عن الهيئتين الدستوريّتين المعنيّتين أوّلاً، وهما رئيسا الجمهورية والحكومة، ثمّ عن مجلس وزراء لا يمتّ بصلة مباشرة إلى المرجعيّات السياسية.
  • ثانيها، لأنّ الشائع منذ مطلع العهد أنّ أولويّته الأمن والاستقرار انطلاقاً من الجنوب وتحديداً القرار 1701 واتّفاق وقف النار، أُطلقت يد رئيس الجمهورية، القائد السابق للجيش، في تسمية القيادات العسكرية والأمنيّة. بيد أنّ الأمر في واقعه ليس بمثل هذا الوضوح. إذ لم يعد خافياً وجود ضغوط مزدوجة أميركية ـ سعودية تطلب إضعاف كمّاشة الثنائي الشيعي في الدولة العميقة وتفكيكها تدريجاً، عسكريّاً وأمنيّاً وقضائياً وإداريّاً، كي تفقد فاعليّتها وتأثيرها. ما حصل في الأمن العامّ هو المؤشّر المباشر الأوّل. لم يُعطَ الثنائي الشيعي مرشّحه، بيد أنّه وافق على مَن اختير بالتوافق بينه وبين رئيس الجمهورية.

آخر خطوط الدّفاع

  • ثالثها عُبّر عنه ما إن بوشر الخوض في التعيينات العسكرية والأمنيّة، وبناء على رغبة الثنائي الشيعي، وهو أن يُصار إلى عرض اسم واحد، لا ثلاثة، لكلّ من مناصب التعيينات هذه. إمّا يُقبل أو لا يُقبل. كَمَنَ حَذَر الثنائي في أن يؤدّي اقتراح ثلاثة أسماء إلى تهريب أحدها ممّن يرفضه دونما تمكّنه من منعه وتعذّر عرقلته اتّخاذ القرار. للمرّة الأولى منذ اتّفاق الدوحة عام 2008، لا ثلث معطّلاً في حوزته مع حلفائه في مجلس الوزراء. لا حلفاء له فيه، ولا يُمسك بناصية الميثاقيّة، آخر أسلحته في التحكّم بنصاب الانعقاد. لم يفقد إمكانات العرقلة فحسب، بل حتّى احتمالاتها الدنيا.
  • رابعها، انتظار ما ستفضي إليه تعيينات المجلس العسكري الموزّعة تقليدياً حصصاً على المرجعيّات نفسها. بتعيين قائد للجيش، أصبح المجلس من ثلاثة مع الأمين العامّ للمجلس الأعلى للدفاع السنّيّ ورئيس الأركان الدرزيّ. الأعضاء الثلاثة الآخرون الشاغرون هم المدير العامّ للإدارة الشيعيّ، والمفتّش العامّ الأرثوذكسيّ، والعضو المتفرّغ الكاثوليكيّ. الأخيران من حصّة قائد الجيش بالتفاهم مع رئيس الجمهورية بصفته القائد السلف. أمّا المشكلة الفعليّة، وقد تستعيد على نحو ما تباين رئيس الجمهورية والثنائي في الأمن العامّ، فتتمثّل في منصب المدير العامّ للإدارة، كأعلى منصب شيعي في مؤسّسات وزارة الدفاع، صاحب القرار المالي في المؤسّسات الثانوية الأربع المنصوص عليها في الفقرة الثالثة في المادّة 23 في قانون الدفاع 102/83 (الاقتصاد والتعاضد للضبّاط والرتباء والأفراد والمستخدمين المدنيين)، علاوة على المصالح الستّ المؤتمرة به، ومراقبة أموال الجيش وتوفير حاجاته والخدمات اللازمة له. يتبع لوزير الدفاع لا قائد الجيش، وهو ما يجعله إداريّاً على قدم المساواة معه لأنّه يأمر بالمال. يرشّح الثنائي الشيعي للمنصب المساعد الأوّل لمدير المخابرات رياض علام، فيما يميل عون إلى تسمية محمد الأمين فيه، بعد تعذّر إحلاله على رأس الأمن العامّ.

انطلاقاً ممّا حدث أمس، تكمن الوقائع الجديدة في تحديد مرجعية التعيين لمنصب سيُعدّ آخر خطّ دفاع للثنائي الشيعي في التعيينات العسكرية والأمنيّة.