
خاص- حين يتحوّل وطن الثقافة إلى معسكر للتطرف
كتبنا التاريخ بالحرف… وها نحن اليوم نكتبه بالدخان والبارود. كنّا نفاخر بأن بلدنا بلد الثقافة، بلد جبران وفيروز، بلد الجامعات والصحف الأولى في العالم العربي، بلد يصدر الحرف والكلمة والفكرة.
أما اليوم، فها نحن على لائحة التصدير من جديد، لكن هذه المرة نصدر الخوف. نصدر الإرهاب.
الخلية الأردنية التي كُشف عنها اليوم، والتي تدرّبت في لبنان على يد من يُفترض أنهم أبناء هذا الوطن، هي جرس إنذار لا يمكن تجاهله. من أرضٍ كان يُفترض أن تكون حاضنةً للعلم والانفتاح، باتت تخرج منها مجموعات تزرع الرعب، وتقدم أوراق اعتمادها للقتل والتطرف.
الجماعة الإسلامية، وغيرها من التنظيمات التي تتحرك بحرية، تستفيد من تراخي الدولة وتواطؤ بعض القوى السياسية لتبني لنفسها معسكرات، تنشئ خلايا، وتحوّل لبنان إلى نقطة انطلاق نحو الخراب. كل ذلك يحصل، فيما اللبناني يكدّ ليؤمّن قوت يومه، ويُفاجأ كل صباح بأن بلده بات عنوانًا جديدًا على لوائح الإرهاب الدولي.
أين الدولة؟ أين أجهزتنا الأمنية؟ أين الخطوط الحمراء التي يجب أن تُرسم بوضوح بين حرية الفكر وبين رعاية التطرف؟ إنّ التواطؤ مع الجماعات الدينية المسلحة، تحت أي شعار، هو خيانة لكل مواطن لبناني لا يريد أن يرى بلده يتحول إلى حاضنة للشر.
ورغم هذا المشهد القاتم، لا يزال في الأفق بصيص أمل. نحن اليوم على عتبة عهد جديد. عهد نُعلّق عليه الآمال، لا فقط في إدارة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، بل في إعادة ضبط البوصلة الأمنية والسياسية. عهد لا يتساهل مع من يحوّل لبنان إلى مخيم تدريب للإرهاب العابر للحدود. عهد يُعيد الاعتبار لصورة لبنان التي شوّهها بعض أبنائه المتطرفين.
العالم يتفرّج. الدول تراقب. وما نحتاجه اليوم ليس فقط استنكارًا أو بيانات خجولة، بل موقف صارم حازم واضح… “لبنان ليس مصدّرًا للإرهاب. ولبنان لن يسمح بعد اليوم أن يُستخدم كمنصة لتفريخ الموت وتصدير الرعب”.
كفى. لبنان تعب، ونحن تعبنا. آن الأوان أن نستعيد بلدنا من كل من قرر أن يختطفه باسم الدين أو المقاومة أو أي شعار أجوف، آن الأوان أن نعود إلى تصدير الحرف… لا الرصاص.