خاص- براءة الأطفال في قبضة الأحزاب العقائدية… جريمة تُرتكب بحق الطفولة والوطن

خاص- براءة الأطفال في قبضة الأحزاب العقائدية… جريمة تُرتكب بحق الطفولة والوطن

الكاتب: أسعد نمّور | المصدر: Beirut24
6 كانون الثاني 2025

ما بثّته قناة “الجديد” أوّل أمس من مشاهد صادمة لأطفالٍ لبنانيين يتحدثون بلغةٍ تعكس الانتماء الأعمى للأحزاب العقائدية هو أكثر من مجرد حلقة تلفزيونية؛ إنه مرآة كاشفة للخراب الذي زرعته هذه الأحزاب في جذور مجتمعنا.

أطفالٌ كان يُفترض أن تكون كلماتهم مليئة بالحب والأمل، وجدناهم يتحدثون بعباراتٍ مليئة بالكراهية، التعصب، والانقسام.

أطفالٌ نُزعت منهم طفولتهم، وتمّت برمجتهم ليصبحوا أدواتٍ لصراعاتٍ أيديولوجية لا تعنيهم، لكنها سرقت منهم أحلامهم ومستقبلهم.

الطفولة بين الشعارات والسلاح

لم يكن الطفل الذي قال إنه خضع لـ”دورة المقاتل الصغير” سوى رأس جبل الجليد. المشهد لم يتوقف عند حزبٍ بعينه؛ بل إن كل الأحزاب العقائدية في لبنان، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مارست وما زالت تمارس عملية “تجنيد” غير مباشر للأطفال، سواء عبر إدخالهم في منظومات فكرية مغلقة، أو تلقينهم شعارات سياسية، أو زجّهم في نشاطات تُصادر براءتهم لصالح خطاب الحزب.

هؤلاء الأطفال الذين كان من المفترض أن يتحدثوا عن ألعابهم وأحلامهم المستقبلية، وجدناهم يتحدثون عن العدو والصديق، عن المقاومة والولاء، عن الكراهية والانتصار.

فلقد تم استبدال براءة الطفولة بعباراتٍ تفوح منها رائحة الأيديولوجيا، وتحمل في طياتها بذور الانقسام المستقبلي.

باختصار لقد باتت الأحزاب العقائدية مصانع للكراهية والانقسام.

انّ الأحزاب العقائدية في لبنان، بغضّ النظر عن شعاراتها وطوائفها، لا ترى في الطفل إلا أداة لإدامة سلطتها. تُلقّنه منذ نعومة أظفاره أن ينتمي إليها وحدها، وأن يعتبر الحزب بمثابة العائلة الأكبر، وحتى الدين أحيانًا.

حزب الله: يُعدّ مثالًا صارخًا على كيفية تطويع الطفولة لخدمة مشروعه. من “دورة المقاتل الصغير” إلى النشاطات التعبوية، يزرع الحزب في الأطفال مفهوم العداء الدائم والمقاومة المستمرة، ويحولهم إلى جنود فكريين قبل أن يبلغوا سن الرشد.

الأحزاب المسيحية: في المقلب الآخر، تُلقّن بعض الأحزاب الأطفال أفكارًا تضع الطائفة في مواجهة الطوائف الأخرى، وتُعيد سرد التاريخ بشكلٍ يعزز الانقسامات بدلًا من التسامح.

الأحزاب اليسارية والقومية: حتى تلك التي تدّعي الحداثة والانفتاح، لا تختلف في أساليبها. تُغرق الأطفال بشعارات الثورة والصراع الطبقي، وتُحوّلهم إلى أدواتٍ لخوض معارك أيديولوجية لا تناسب أعمارهم.

الا تعتقدون ان قتل الطفولة والوطن جريمة مزدوجة؟

حين يتحدث الأطفال بلغة الكراهية والانقسام، فإن الجريمة تتجاوز اغتيال طفولتهم؛ إنها اغتيالٌ لمستقبل لبنان. كيف يمكن أن نتصور وطنًا موحدًا إذا كانت الأجيال الناشئة تُربّى على رؤية الآخر كعدو؟ كيف يمكن أن نبني مجتمعًا صحيًا إذا كانت أولى الكلمات التي يتعلمها الطفل هي شعارات الأحزاب بدلًا من كلمات المحبة؟

الأحزاب العقائدية لا تكتفي بتمزيق الوطن اليوم، بل تضمن استمرار هذا التمزق في المستقبل عبر تسميم عقول الأطفال بأفكارها المسمومة.

والطريق إلى الخلاص ان تدعوا الأطفال وشأنهم فالأطفال ليسوا أدواتٍ في أيدي الأحزاب. ليسوا شعاراتٍ تُرفع في الساحات، ولا ذخيرةً في المعارك الفكرية أو العسكرية. الأطفال هم مستقبل هذا الوطن، والمستقبل لا يُبنى بالكراهية، بل بالحب والعلم والانفتاح.

على الدولة اللبنانية، إن بقيت فيها بقية من المسؤولية، أن تتحرك فورًا:

1. تفعيل قوانين حماية الطفل: يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تمنع زجّ الأطفال في الأنشطة الحزبية أو العسكرية.

2. نشر ثقافة حقوق الطفل: على المجتمع المدني أن يكثف جهوده لتوعية الأهل بخطورة هذه الممارسات، والعمل على حماية الأطفال من الأدلجة.

3. فصل التعليم عن السياسة: المدارس يجب أن تكون مساحة خالية من أي تأثير حزبي، وأن تركز على التربية الوطنية الجامعة بدلًا من الترويج للانتماءات الحزبية.

في رسالة أخيرة للأحزاب… أطلقوا سراح البراءة

إلى كل الأحزاب العقائدية اللبنانية، كفى. كفى قتلًا للطفولة، كفى استخدامًا للأطفال كوقودٍ لمعارككم. أطلقوا سراح البراءة، دعوا الأطفال يعيشون طفولتهم.

لبنان لا يحتاج إلى مزيدٍ من الصراعات والانقسامات. ما يحتاجه هو جيلٌ جديدٌ ينمو بحرية، يتعلم أن يحب لا أن يكره، أن يبني لا أن يهدم، أن يعيش لا أن يموت.

لنعمل معًا على إعادة البسمة إلى وجوه أطفالنا، لأنهم وحدهم القادرون على إنقاذ ما تبقى من هذا الوطن.