من يعيد الإعمار إيران أم الخليج؟
أبرز التحديات التي تواجه لبنان بعد وقف الحرب، تتمثل في إعادة الإعمار التي تغيب ربما في اليوم التالي لسريان اتفاق وقف النار عن أجندة الأولويات، أمام تقدم الاستحقاقات السياسية والاجتماعية الداهمة، ولا سيما تلك المتصلة بعودة النازحين، وتطبيق القرار الدولي 1701 القاضي بانتشار الجيش في الجنوب، على نحو يحول دون أي انتهاكات للاتفاق في ظل الاحتقان الشعبي.
عدم تقدم أولوية إعادة الإعمار لا يعني أنها لا تشكل الهمّ الأكبر الذي يقض مضاجع اللبنانيين، حكومة وشعباً، نظراً إلى المحاذير الكبيرة التي تقف عائقاً دون حصولها. فإعادة الإعمار ليست قراراً يمكن تنفيذه في شكل سهل وسريع، بل هي مسار طويل يتطلب في المرحلة الأولى مسحاً دقيقاً لتقويم حجم الأضرار، يترافق مع تأمين مساكن بديلة أو مراكز إيواء لمن فقد مسكنه بالكامل، ثم وضع المخطط التوجيهي والتنظيمي لإعادة الإعمار والمدة الزمنية المطلوبة للإنجاز. كل ذلك، بما يتضمنه من تفاصيل تقنية لوجيستية، يتطلب في الدرجة الأولى تأمين التمويل المطلوب، والمرتبط في شكل أساسي بالقرار السياسي. فظروف الإعمار اليوم تختلف عنها في ٢٠٠٦، والتعويل على الحاضنة العربية أساسي، وإن يكن “حزب الله” وبيئته النازحة يعتقدان أن الدعم الآتي من إيران كاف لتأمين التمويل المطلوب.
وفي حين اقتصرت المواقف العربية على الترحيب بقرار وقف النار، لم يصدر أي موقف واضح حيال مدى الاستعداد العربي للانخراط في إعادة الإعمار، ولذلك ما يبرره في العالم العربي الذي اعترض ولا يزال على نفوذ “حزب الله” في الدولة وانخراطه في الحرب.
كان لافتاً ما صرح به الموفد الأميركي ومهندس اتفاق وقف النار آموس هوكشتاين “أن الخليج لم يترك لبنان بفعل الحرب، بل قبلها”، بسبب ما وصفه ب”وجود صحنين على الطاولة في لبنان، أحدهما صحن الفساد والآخر هو الصحن الخارج عن شرعية الدولة”، كاشفاً أن لبنان “سيصبح قريباً بلداً آمناً وستشجع الدول الخليجية والعربية على العودة للاستثمار فيه”.
يأتي كلام هوكشتاين استكمالاً لما ورد في اتفاق وقف النار في فقرته الثالثة عشرة من دعوة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، وهو يعكس بذلك اهتماماً أوروبياً وأميركياً وعربياً بالاستثمار في لبنان عموماً والجنوب خصوصاً، أي أنه لن يكون هناك مساعدات، بل استثمارات.
وعلمت “النهار” أن هذا الموضوع تناوله الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، في إطار استطلاعه الأجواء اللبنانية من مختلف جوانبها لعرضها على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل مشاركته في القمة الفرنسية – السعودية المتوقعة في الثامن من الشهر المقبل، حيث ينتظر أن يطرح ماكرون الموضوع ومدى استعداد دول الخليج، والسعودية في مقدمها، للانخراط في الإعمار.
وبحسب مصادر سياسية قريبة من عين التينة، لا شروط خارجية مرتبطة بذلك، والاهتمام الدولي معقود على التزام لبنان تنفيذ القرار ١٧٠١، وهذا في ذاته كافٍ لتحقيق مطالب المجتمع الدولي.