“التمديد” يوصِل إلى الجنوب وليس بعبدا
شكّلت دعوة الرئيس نبيه برّي إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل، بعد يومٍ واحدٍ من إعلان وقف إطلاق النار، بداية انطلاق حوارات بالمفرّق ستكون الأوسع والأشمل، مع تجاوز “عقدة الطاولة” والقفز فوق مطلب برّي الذي كرّره في ذكرى الإمام موسى الصدر في 31 آب الماضي، حين أكّد “الدعوة المفتوحة للحوار أو التشاور تحت سقف البرلمان لأيّامٍ معدودة تليها دورات متتالية بنصاب دستوري من دون إفقاده من أيّ طرف”.
تؤكّد مصادر نيابية لـ”أساس” أنّ “طاولة الحوار بشكلها التقليدي داخل البرلمان تجاوزتها التطوّرات، حتى إنّ الرئيس برّي لم يتطرّق إليها في كلمته بعد إعلان وقف إطلاق النار، مركّزاً على مواصفات مرشّح لا يشكّل تحدّياً لأحد. وفيما لم يعرف بعد أجندة التحضير لجلسة 9 كانون الثاني، فإنّ عين التينة، كما في مفاوضات الهدنة، ستكون مرجعيّتها الأساسية عبر حوارات الغرف المغلقة. وقد ذهب برّي أبعد من شرط الجلسات المتتالية عبر الإيحاء بأنّ الجلسة الـ13 لانتخاب رئيس الجمهورية ستكون الحاسمة، وربّما من أوّل دورة، بعد الإعلان عن دعوة ضيوف رسميين إليها”.
تلفت المصادر إلى أنّه “حتى مع توسّع رقعة الخروقات الإسرائيلية الفاضحة لاتفاق الهدنة، وربّما الدخول في مراحل من التوتّرات الأمنيّة، سيكون ذلك حافزاً لتسريع الانتخاب وليس العكس، إلا إذا اندلعت الحرب مجدّداً”، مؤكّدة أنّه “على الرغم من الطابع السريع والمفاجئ لدعوة برّي وإشارته إلى جلسة رئاسية كاملة المواصفات بحضور السفراء المعتمدين، لا يزال يرفض منطق الجلسة المفتوحة، بل سيعتمد مبدأ فتح دورة بجلسات متتالية لانتخاب رئيس توافقي بما يتجاوز 86 صوتاً، وفي حال عدم التوافق يدعو إلى جلسة أخرى بدورات متتالية أيضاً”.
بين 9 و10 كانون الثّاني
عمليّاً، تحمل دعوة الرئيس برّي الرئاسية عدّة مؤشّرات مهمّة ولافتة:
– حدّد برّي موعد الجلسة لتكون قبل يومٍ واحدٍ فقط من بدء ولاية التمديد الثانية لقائد الجيش العماد جوزف عون في 10 كانون الثاني المقبل. وهذا يعني بالمنطق السياسي صعوبة انتخاب قائد الجيش رئيساً في اللحظة نفسها لبدء سريان التمديد وانغماس العماد عون نفسه في أكبر انتشار للجيش في الجنوب، وتدشين أوسع تنسيق مع اليونيفيل واللجنة العسكرية الأميركية – الفرنسية، وهو الأمر الذي أشار إليه بشكل مبطّن نائب حركة “أمل” علي حسن خليل في مقابلة تلفزيونية مساء الخميس.
– حَمَل قرار التمديد لقائد الجيش بحدّ ذاته ما يصبّ في خانة تأكيد الفصل بين التمديد ورئاسة الجمهورية. فبعد انسحاب نوّاب “الحزب” من جلسة التمديد الأوّل العام الماضي، عادوا وشاركوا في التمديد الثاني. أكثر من ذلك، “أغرَقَ” “الحزب” وحركة أمل الجيش وقيادته بكلام بالغ الإيجابية وغير مسبوق لناحية الدور الذي لَعِبه وسيلعَبه الجيش وقائده في مرحلة تطبيق القرار 1701 وترتيباته التنفيذية الحسّاسة أمنيّاً.
وصل الأمر بالنائب علي حسن خليل حدّ القول: “إذا كان لأيّ أحد “غَبرة صغيرة” حول العلاقة بيننا وبين قائد الجيش نؤكّد أنّنا سنكون بخدمة الجيش للقيام بدوره”، وهو ما يؤكّد حصر دعم الثنائي الشيعي لقائد الجيش بدوره راهناً في تطبيق مندرجات القرار الدولي حتى انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وإجراء تعيينات بالأصالة.
– سُجّلت انتقادات واضحة من الثنائي الشيعي داخل مجلس الوزراء وخارجه لقرار العماد جوزف عون إبقاء خطّة تعزيز انتشار الجيش في الجنوب بمعظم مفاصلها سرّيّة. الأمر الذي دفع نائب “الحزب” حسن فضل الله إلى تذكير قيادة الجيش بأنّها “تأخذ القرار السياسي والتوجيهات من الحكومة، وإذا لدينا ملاحظات على أداء الجيش لا نقولها في الإعلام”.
من جهة أخرى، تبيّن أنّ إجلاء جرحى “الحزب” الذي قام به الجيش أوقع أربعة شهداء ضمن عمليّتَي إجلاء سقط خلالهما الرائد محمد فرحات مع اثنين من عسكريّيه، كما استشهد عسكري آخر في عملية منفصلة، وذلك من أصل 46 شهيداً أعلن قائد الجيش سقوطهم منذ بدء حرب الإسناد (18 منهم مع بدء العدوان الجوّي الإسرائيلي).
محطّات لا تؤثّر
هي مجرّد محطّات لن تؤثّر على قرار “الثنائي”، خصوصاً “الحزب”، بإطلاق أوسع تنسيق مع الجيش جنوباً، في اللحظة نفسها التي سينهمك فيها أعضاء البرلمان بانتخاب رئيس الجمهورية. باختصار، يتصرّف الثنائي الشيعي وفق معادلة: التمديد للوصول إلى الجنوب وليس بعبدا! وبدءاً من الآن ستُجرى غربلة لأسماء معلنة وغير معلنة بغية التوافق على اسمٍ يحصد أكثر من ثلثَي عدد أعضاء مجلس النواب.
– أتى إلحاق العمداء بجولة التمديد الثاني كرسالة سياسية لقائد الجيش بعدما عَلَت النقمة داخل الأروقة الأمنيّة والعسكرية من “التمديد لأشخاص”، مع العلم أنّ العدد الساحق من العمداء الذين سيستفيدون من التمديد هم عمداء الجيش البالغ عددهم أكثر من 600 عميد، بينما يضمّ سلك قوى الأمن الداخلي 173 عميداً، وأمن الدولة 33 عميداً، والأمن العامّ 21 عميداً.
– على الرغم من الكلفة الباهظة التي تكبّدتها قيادة “الحزب” وبنيته العسكرية، سيكون الاستحقاق الرئاسي أوّل الاختبارات لعدم اهتزاز موقع “الحزب”، واستطراداً الثنائي الشيعي. هنا تردّد أوساط “الحزب” وحركة “أمل” أنّ “التوازنات الداخلية لم تمسّ وستبقى هي نفسها”، فيما تفيد المعلومات بأنّ الثنائي الشيعي لطالما تعاطى مع واقع أنّ منافس سليمان فرنجية الفعليّ هو قائد الجيش وليس جهاد أزعور الذي رَبَطَ ظرفيّاً “التيار الوطني الحر” بالمعارضة، ثمّ سقطت ورقته. ولن يكون التخلّي عن ورقة رئيس “تيار المردة” أقلّ من إزاحة قائد الجيش من اللائحة الرئاسية.
أمّا الجزء الثاني من المعادلة، فكشفه النائب علي حسن خليل بقوله: “لم تعد المعارضة متّفقة على مرشّح. نحن لا نزال ندعم ترشيح سليمان فرنجية ونراه عنصراً جامعاً، لكنّنا منفتحون على طروحات أخرى توافقية. أمّا قائد الجيش فدوره مهمّ في الجيش ولم أسمع منه أنّه مهتمّ برئاسة الجمهورية”. على مستوى البيان الوزاري للحكومة المقبلة يقولها نواب “الحزب” علناً: “معادلة الجيش والشعب والمقاومة تحوّلت إلى عرف… واسألوا أهل الدستور”.