خاص- بين أوجه الشبه واختلاف المفاهيم
بعد نحو أسبوعين من بداية “حرب الإسناد” أطل الزميل شارل جبور في إحدى المقابلات مقدّمًا تحليلًا علميًا مفصلًا عن “محور الممانعة” وعلاقة رأس الهرم في المحور، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية ممثلة بالحرس الثوري، بأذرعه في المنطقة وفي مقدمها “حزب الله”. وتناول في تحليله إيديولوجية “المحور” وممارساته وحروبه المتنقلة.. ليختم قائلًا: “ما بيشبهونا ولا منشبهن”. يومها قامت الدنيا ولم تقعد على جبور بسبب هذا القول، وكنت للأسف من بين الذين انتقدوه في المجالس الخاصة مع الأصدقاء والزملاء، انطلاقًا من أن هذا الكلام الجريء، حتى وإن كان صحيحًا، من غير اللائق قوله على وسائل الإعلام لأنه يُفهم على غير مقصده.
اليوم، وبعد اتفاق الهدنة الذي أوقف نسبيًا 13 شهرًا من الحرب والذي هو في الحقيقة اتفاق ذل واستسلام، وبعد كل الكوارث التي خلفتها هذه الحرب، وبعد إطلاق مسؤولي “حزب الله” سلسلة مواقف أقل ما يقال فيها إنها منفصلة عن الواقع، أقول للزميل شارل جبور بكل جرأة ومسؤولية: أعتذر منك لأني أخطأت بحقك، وكنت محقًا في تقييمك الذي اختصر الواقع بكلمتين، وكنتَ بالفعل منذ ذلك الوقت حيث لا يجرؤ الآخرون.
في اليوم الثاني من هدنة الاستسلام التي استجداها الرئيس نبيه بري، بناءً على تفويض من “حزب الله”، من صديقه آموس هوكشتاين، أطلّ نائب الحزب حسين الحاج حسن ليحمّل الدولة المسؤولية الأولى في إعادة الإعمار، على قاعدة “وقت العزايم أنطون نايم.. ووقت جلي الصحون وينك يا أنطون”. إنه اختصار نموذجي لمنطق جماعة الحزب وتفكيرهم. فهم ينظرون هكذا الى الدولة اللبنانية وهكذا يريدونها: دولة بلا سيادة، بلا موقف، بلا قرار.. لكن في الوقت نفسه دولة تمثّل البقرة الحلوب لمدارسهم ومستشفياتهم وجمعياتهم ومؤسساتهم ومشاريعهم في أوقات السلم، ودولة متسوّلة شرقًا وغربًا بعد كل حرب يفتعلونها لتعيد بناء ما دمّرته مغامراتهم السياسية والعسكرية.
أما اليوم الثالث من هدنة العار فقد شهد ما هو أسوأ، وقد تحوّل “تراند” على وسائل التواصل الاجتماعي، عندما راح النائب غياث يزبك يلطم وجهه وهو يستمع الى مطالعة نائب “حزب الله” حسن فضل الله في المجلس النيابي عن الانتصار الذي تحقق في الحرب وعن تكريس معادلة الجيش والشعب والمقاومة. كلام لم يعد جائزًا التعليق عليه بعد ردة فعل غياث يزبك الأصدق والأكثر تعبيرًا من أي كلام.
في اليوم الرابع من هدنة المهانة جاءت الطامة الكبرى عندما أطل أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم ليعلن انتصار الحزب في الحرب، معتبرًا أن “الانتصار في حرب أولي البأس (أي حرب الإسناد) أهم من انتصار حرب تموز 2006. وفيما انتقد كثيرون كلام قاسم، رأى آخرون أنه محق في قوله باعتبار أن حرب تموز أنتجت القرار 1701، فيما أكدت حرب “أولي البأس” على تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، إضافة الى تكريس وصاية عسكرية إسرائيلية- أميركية دائمة على لبنان، وذلك وفقًا لملحق اتفاق وقف النار بين واشنطن وتل أبيب الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية والذي يحاول “حزب الله” التنصل منه.
كما فات الشيخ نعيم قاسم نقطة أساسية وهي أن إسرائيل والولايات المتحدة، إضافة الى أغلبية المكونات اللبنانية، وبعدما غضت النظر عن تطبيق القرار 1701 حتى وصلنا الى ما وصلنا إليه، ستضع الاتفاق الحالي تحت المجهر لتنفيذه بحذافيره، وصولًا الى قيام دولة حرة مستقلة ذات سيادة مطلقة على أراضيها وحدودها.
عذرًا مجددًا أيها الزميل شارل جبور، لأنه تبيّن بالوقائع من خلال اختلاف المفاهيم حول بديهيات الأمور بين مكوّنات الشعب اللبناني، أن هذا المحور ومن يمثله في لبنان ليسوا فقط ” ما بيشبهونا”، بل إنهم في الحقيقة لا يشبهون أي كائن بشري عاقل يتمتع بالحد الأدنى من المنطق والتفكير السليم يجعله قادرًا على استخلاص العبر من نتائج رهاناته وممارساته بحق نفسه وبيئته وشعبه ووطنه.