خاص- سجن صيدنايا… مسلخ آل الأسد البشري

خاص- سجن صيدنايا… مسلخ آل الأسد البشري

الكاتب: اسعد نمّور | المصدر: Beirut24
9 كانون الأول 2024

في قلب الظلام السوري، وعلى تلال مدينة صيدنايا الواقعة شمال دمشق، يقف سجن صيدنايا كرمز مرعب يجسّد وحشية نظام الأسد، وكأنه بوابة إلى الجحيم. ليس هذا السجن مكانًا للاحتجاز أو الإصلاح، بل هو “مسلخ بشري”، حيث تُمارَس أبشع أساليب القمع والتنكيل في تاريخ البشرية الحديث. يُعرف هذا السجن ليس فقط بتاريخه الدموي، بل أيضًا بابتكاراته الوحشية في التعامل مع المعتقلين، والتي تجعل منه وصمة عار على جبين الإنسانية.

“السجن الأحمر”، القسم الأكثر رعبًا في سجن صيدنايا، يختزل كل معاني الجحيم. تُروى عنه قصص لا يمكن لعقل بشري أن يتصورها. هنا، تُمارس الإعدامات الجماعية في غرف مغلقة، يُشنق المعتقلون بعشراتهم في الليل، بعيدًا عن أعين العالم. لكن الموت في صيدنايا لا يعني نهاية الألم. فبعد الإعدامات، تُنقل الجثث إلى مكبس الجثث – آلة صُنعت خصيصًا لضغط الجثث وتحويلها إلى كتل لحمية تُلقى في مقابر جماعية مجهولة.

تقارير موثوقة من منظمات حقوق الإنسان، وأبرزها منظمة العفو الدولية، أكدت أن مكبس الجثث ليس أسطورة أو شائعة، بل حقيقة مرعبة تُجسد كيف تحوّل نظام الأسد إلى آلة قتل لا تعرف الرحمة. يُعتقد أن هذا الجهاز يعمل ليلاً، لتفادي انبعاث الروائح الكريهة التي قد تنبه سكان المناطق المحيطة.

ليس السجن وحده مكانًا لإخفاء الجرائم؛ فهناك أيضًا “محرقة صيدنايا”، التي وُثّقت كأداة لإخفاء آثار القتل الجماعي. يُقال إن النظام بنى هذه المحرقة للتخلص من الأعداد الهائلة من الجثث التي كانت تتراكم نتيجة الإعدامات اليومية. الجثث تُحرق في درجات حرارة عالية، لتتحول إلى رماد يُرمى في مكبات النفايات، وكأن هؤلاء الضحايا لم يكن لهم وجود يومًا.

الموت في صيدنايا لا يأتي دائمًا سريعًا. آلاف المعتقلين يُتركون لمصير بطيء ومؤلم: التجويع حتى الموت، التعذيب الوحشي، والأمراض التي تنتشر دون أي علاج. شهادات الناجين من هذا الجحيم تؤكد أن المعتقلين يُجبرون على أكل الحشرات أو فضلاتهم ليبقوا على قيد الحياة.

أساليب التعذيب في سجن صيدنايا فاقت كل ما يمكن أن يتخيله الإنسان. الصعق الكهربائي، السلخ، الإعدام الوهمي، والضرب حتى الموت ليست سوى أمثلة بسيطة لما يُمارس هناك يوميًا.

في عام 2008، وقعت مجزرة مروعة في هذا السجن، حيث قُتل المئات من المعتقلين خلال انتفاضة قادها السجناء احتجاجًا على المعاملة الوحشية. قُمع التمرد بوحشية غير مسبوقة، حيث استخدمت القوات الرصاص الحي وقذائف الـ”آر بي جي” داخل الزنازين الضيقة، مما أدى إلى سقوط أعداد هائلة من القتلى.

سجن صيدنايا ليس مجرد مكان احتجاز، بل هو انعكاس لسياسة القمع الممنهجة التي يتبناها نظام بشار الأسد. في هذا السجن، لا يُعتقل الناس بناءً على تهم واضحة أو محاكمات عادلة؛ بل يكفي أن تكون معارضًا، أو حتى أن تملك رأيًا مخالفًا، لتجد نفسك في أقبية هذا الجحيم.

احصائيات مروّعة

وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، يُقدَّر أن ما بين 5,000 إلى 13,000 معتقل تم إعدامهم في سجن صيدنايا بين عامي 2011 و2015 فقط. هذا الرقم لا يشمل أعداد الذين ماتوا بسبب التعذيب أو الجوع.

في الوقت الذي كانت تُرتكب فيه هذه الجرائم البشعة، كان العالم يشاهد بصمت. صيدنايا ليس مجرد سجن؛ إنه رمز لغياب العدالة، وتواطؤ المجتمع الدولي في السماح لهذه الجرائم بالاستمرار دون محاسبة.

في الختام، سجن صيدنايا سيظل جرحًا مفتوحًا في تاريخ سوريا والمنطقة، يذكّر العالم بوحشية نظام الأسد وصمته عن أسوأ الجرائم ضد الإنسانية. هذا المسلخ البشري لن يُنسى، وسيظل شاهدًا على حقبة سوداء لنظام دموي حوّل الوطن إلى مقبرة، والسجون إلى مصانع للموت.