هدنة الـ60 يوماً: الحرب انتهت… لم تنتهِ!
بعد عام ونحو شهرين من حرب إسناد غزة، و66 يوماً من بدء العدوّ الإسرائيلي عدوانه الجوّي على لبنان، واغتياله الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله، وما سبقه وتلاه من اغتيالات بالجملة لقيادات “الحزب”، وارتكاب مجرزتَي البيجر والأجهزة اللاسلكية، يسلك اتفاق وقف إطلاق النار طريقه إلى التنفيذ بمواكبة دولية، خماسية على الأرجح، فاتحاً المجال أمام أوسع انتشار للجيش في منطقة جنوب الليطاني منذ عام 2006، وحتّى منذ نهاية الحرب الأهلية، ومدشّناً مرحلة “حزب من دون سلاح” في جنوب لبنان. لكن الإعلان الإسرائيلي الرسمي أمس عن الموافقة على الاتفاق أتى مشوباً بعيب منح العدو الإسرائيلي نفسه حق التدخّل عسكرياً عند حصول اي خرق للاتفاق.
شكّلت دعوة رئاسة مجلس الوزراء إلى جلسة تعقد اليوم صباحاً في السراي الحكومي “لبحث التطوّرات الراهنة والأوضاع المستجدّة”،محطّة رسمية ضمن سياق ترتيبات مواكبة مسار وقف إطلاق النار. وقد ترافقت مع تكثيف العدوّ الإسرائيلي لغاراته في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع بشكل غير مسبوق، وقصف عمق العاصمة بيروت مجدّداً من دون سابق إنذار عبر استهداف منطقة النويري وسلسلة انذارات طالت عدّة مناطق في العاصمة وقادت إلى نزوح جماعي من بقع الاستهداف، وترويج الجيش الإسرائيلي لوصول قوّاته إلى منطقة السلوقي ونهر الليطاني وقيام جيش العدوّ باستكمال تدمير واسع لعشرات الأبنية في المناطق الحدودية.
أكّدت مصادر رئاسة الحكومة لـ”أساس” أمس “وجود مناخات إيجابية عزّزت هذه المرّة القرار المتّخذ بوقف إطلاق النار أو هدنة الـ60 يوماً بناءً على معطيات جدّية تراكمت في نهاية الأسبوع،وذُلّلت خلالها العديد من العقبات. ونحن نتصرّف على هذا الأساس، فيما تبقى لمسات إخراج التسوية وتوقيت بدء وقف إطلاق النار رهن التنسيق الأميركي – الفرنسي مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي”. تلا ذلك إعلان مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر عند الثامنة من مساء أمس الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار، لكن بالتزامن مع كشف وسائل إعلام عبرية عن المصادقة على شن ضربات جوّية في العديد من مناطق لبنان بينها العاصمة.
لبنان تسلّم المسودة
كما تفيد المعلومات بأنّ الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي و”الحزب” تسلّموا الصيغة شبه النهائية للاتّفاق المكتوب على أن تتمّ مناقشتها على طاولة مجلس الوزراء المكتمل النصاب والتصويت عليها بعد إعلان الجانب الإسرائيلي الموافقة على الاقتراح ثم الإعلان الاميركي رسمياً عنه، وذلك بحضور وزراء حركة “أمل”و”الحزب”. كما سيتمّ التطرّق إلى خطّة انتشار الجيش في الجنوب واحتمال تسلّم قوى الأمن الداخلي بعض المهمّات في الداخل تسهيلاً للانتشار جنوباً.
في المقابل، أشارت مصادر التيار الوطني الحرّ لـ”أساس” إلى أنّ “وزراء التيار لن يحضروا جلسة اليوم، سواء أكانت جلسة حكومية أو جلسة تشاور، كما لن يحضر وزير الدفاع موريس سليم”، فيما لم يطّلع أيّ من الوزراء حتى يوم أمس على أيّ صيغة مرتبطة بالاتّفاق.
وفق معلومات “أساس”، سيتحضّر الجيش منذ اللحظة الصفر لبدء تنفيذ الاتفاق لتعزيز انتشاره في منطقة جنوب الليطاني قبل بدء المرحلة الأولى المتمثّلة بتطويع 1,500 عسكري وفق قرار مجلس الوزراء الصادر في آب الماضي، وقد عرض قائد الجيش أمام المبعوث الأميركي آموس هوكستين خلال زيارته الأخيرة للبنان مراحل الانتشار وآليّته التنفيذية.
مراحل الانتشار الأولى
إلى ذلك عَلِم “أساس” أنّ القطعات العسكرية الموجودة حاليّاً في الجنوب تتألّف من اللواءين الخامس والسابع وفوج التدخّل الخامس، وسيتمّ تعزيزها بالعديد والعتاد، وربّما قد يتمّ الركون إلى حركة تشكيلات عسكرية لضبّاط وعسكر تواكب تعزيز الانتشار. وستشهد مراحله الأولى التمهيدية استحداث مراكز ومواقع وتعزيز الدوريّات المدولبة والمؤلّلة والراجلة إيذاناً ببدء الكشف عن وجود أسلحة وسحبها بالتزامن مع إخلاء “الحزب” لمواقعه والأنفاق وسحب سلاحه الباقي بموجب الآلية التنفيذية للقرار 1701 وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كلّ النقاط التي كان فيها.
حتى ساعات أمس لم يكن قد صدر أيّ موقف من جانب “الحزب” يشي باعتراض على مسار وقف إطلاق النار أو على مضمون الاتفاق، حتى في ما يتعلّق بكمّ التسريبات حول إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بحقّها بالتدخّل العسكري عند حصول أيّ خرق للاتفاق، وهو ما يعني تعرّضه للاهتزاز وعدم ديمومته، فيما حاول المفاوض اللبناني طوال المرحلة الماضية تأكيد ضرورة أن يكون وقف إطلاق النار دائماً وصلباً.
وبالفعل أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغّر احتفاظ العدو الإسرائيلي بحريّة حركته العسكرية كاملة في حال رصد أي خرق من جانب الحزب وذلك بالتفاهم مع الاميركيين ما يطرح تساؤلات عدّة حول الصيغة التي قدّمت للجانب اللبناني ومدى موافقته على هذا البند إلا إذا كان ضمن سياق ضمانات أعطيت من واشنطن لإسرائيل وهو ما اعتبر الحزب سابقاً بأنّه معفى منها ولا تعنيه.
مباشرة بعد كلام نتنياهو طالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحت وطأة القصف المركّز للعاصمة بيروت “المجتمع الدولي بالعمل سريعاً لوقف العدوان وتنفيذ وقف إطلاق النار”، ثم أعلن التزام الحكومة تطبيق القرار 1701 عقب إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن موافقة الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية على الاتفاق.
لكن ما بدا لافتاً أنّه منذ بدء الحرب، وبخلاف بعض نواب “الحزب”، غاب رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد عن النظر إلى أن ظَهر مجدّداً أمس “كاتباً” على صفحات جريدة “الأخبار” على بعد ساعات قليلة من الإعلان عن وقف إطلاق النار.
أهميّة ظهور “الحاج محمد” أنّه حمل رسائل سياسية واضحة بلسان “الحزب” حيال مرحلة ما بعد الحرب، وأهمّها “الانفتاح على أيّ صيغة أو طرح يحقّق حماية لبنان من تهديدات العدوّ ومخاطره الوجودية والاستراتيجية”، مؤكّداً أنّ الضمانة السياسية لالتزام العدوّ الإسرائيلي بموجبات القرار 1701 هي معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، وفاتحاً المجال أمام “الحوار الوطني السيادي حول هذه المعادلة، إذا ما زال لدى البعض نقاش حول أصل هذه المعادلة أو تفعيلها أو يقترح معادلة أخرى”.