بوقف نيران «الحرب الثالثة»… هل يتخلى «الحزب» عن غزة؟

بوقف نيران «الحرب الثالثة»… هل يتخلى «الحزب» عن غزة؟

الكاتب: ايليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
27 تشرين الثاني 2024

استبق الإعلان عن وقف الأعمال العدائية في «الحرب الثالثة» بين إسرائيل و«حزب الله»، قصف «وداعي» تدميري، سيتذكره العدوان اللدودان، من دون استبعاد مواجهة رابعة مستقبلاً، في حين انفصلت الجبهة اللبنانية عن الفلسطينية، فهل يعني ذلك تخلي «حزب الله» عن قطاع غزة وفلسطين؟

منذ الثامن من أكتوبر 2023، وغداة عملية «طوفان الأقصى»، أطلقت المقاومة اللبنانية «جبهة الإسناد» دعماً للشعب والمقاومة في قطاع غزة. وبدأ «حزب الله» بقصف المواقع العسكرية الإسرائيلية في المناطق اللبنانية المحتلة والمتنازع عليها لتتوسع رقعة الاشتباك نحو كيلومترات عدة من جهتي الحدود، وتتحوّل من معركة ضد أهداف محددة ومحتوية، إلى حرب شبه شاملة.

وهذا ما أوصل الأمور بعد أكثر من 13 شهراً، إلى قبول «حزب الله» بالاتفاق الأممي 1701 الذي ينص على وقف الأعمال العدائية من قبل الطرفين.

وأظهرت عمليات الحزب العسكرية منذ الإعلان عن «جبهة الإسناد»، التزامه بالقضية الفلسطينية من خلال الضربات الصاروخية والهجمات بطائرات من دون طيار، يومياً.

وتبع موقف «حزب الله»، استجابات إقليمية أخرى من جماعة «أنصارالله» في اليمن، والمقاومة العراقية، إضافة إلى الدعم السياسي واللوجستي والعسكري والمالي الإيراني، كمحور أوسع، هَدِف إلى تحدي العدوان الإسرائيلي على غزة.

وسعت هذه الإجراءات المنسقة إلى إجبار إسرائيل على تحويل الموارد العسكرية واللوجستية من عملياتها في غزة وتخفيف الضغوط على السكان المحاصرين، بعيداً عن كونها خطوة رمزية. بل انطلقت من إستراتيجية نشطة في محاولة لردع إسرائيل عن أهدافها التدميرية اللامحدودة، وخلق الظروف التي تحد من قدرتها على شن هجوم واسع وسريع على غزة.

وأكدت قيادة «حزب الله» طيلة هذه المدة، أن عملياتها تهدف إلى إضعاف زخم الهجوم على غزة وتشتيت قوة إسرائيل على جبهات متعددة، وليس السعي إلى حرب شاملة ضد جيش يتمتع بدعم الجيش الأميركي الأقوى في العالم، وبحلفاء غربيين أقوياء قدموا المساعدات اللوجستية والاستخباراتية والعسكرية لإسرائيل بدل احتواء الحرب.

واستطاعت المقاومة في لبنان، إيجاد حالة انعدام الأمن واللايقين في كل المستوطنات الشمالية التي تضرّرت بشكل كبير جداً كثمن لدعم غزة. وجاء دعم «حزب الله» الثابت لغزة بتكلفة باهظة على المقاومة ولبنان، سواء من التضحيات البشرية أو المادية، حيث تم استهداف عشرات القرى جنوب نهر الليطاني في شكل ممنهج، حولتها إلى أنقاض، بينما نزحت مجتمعات بأكملها، مما أدى لتفاقم الأزمة الإنسانية في لبنان.

ولم تعتقد قيادة المقاومة أن إسرائيل تحضر لحرب شاملة، تمهد لها باغتيال الأمين العام (ضربة نفسية كبيرة لأنصار الحزب) وقادة من الصفين الأول والثاني، وتدمير جزء مهم من ترسانته الصاروخية، وتحييد آلاف المقاتلين، بمن فيهم قوات النخبة بعملية تخريبية واحدة وأخرى متتالية.

وبعد مرور أقل من سنة على «طوفان الأقصى»، استهدفت ودمرت إسرائيل عشرات القرى ومئات المباني في الضاحية الجنوبية وآلاف المنازل في البقاع (شرق) ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية ونزوح 1.3 مليون لبناني، في الداخل ونحو سورية والعراق، وذلك بهدف تآكل رأس المال السياسي والاجتماعي والعسكري لـ«حزب الله».

وفرضت إسرائيل تضحيات هائلة على بيئة الحزب، أثار تساؤلات حول ما إذا كان الثمن المدفوع يتماشى مع المكاسب الإستراتيجية والإيديولوجية التي تحققت.

ومع ذلك، فان المقاومة تنظر إلى تضحياتها من خلال عدسة المقاومة طويلة الأمد والالتزام الثابت بالقضية الفلسطينية، وثمناً ضرورياً لعدم عزل غزة بالكامل وللحفاظ على محور المقاومة.

واستطاع الحزب من خلال مرونته العملياتية، مواجهة القوة النارية الساحقة، وقوض مزاعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ «الهيمنة»، وأجبره على إعادة النظر في أهدافه الأوسع.

أما الموافقة على قرار الأمم المتحدة الرقم 1701، فهو يسمح لـ«حزب الله» بتجنب صراع شامل من شأنه أن يزعزع استقرار لبنان من دون التضحية بقدرته على مقاومة إسرائيل. ويسمح له بالعمل شمال نهر الليطاني، ما دامت إسرائيل ستلتزم بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية وتوقف خروقاتها للسيادة.

وفي حال عدم الاستجابة لذلك، فهذا يعني أن الحزب سيعود ليبني مستودعات ذخيرته جنوب النهر مجدداً، ويعيد بناء قدراته التخزينية تحضيراً لمعركة أخرى مستقبلية.

ولا يعني القبول بالـ 1701 نزع السلاح في كل المناطق اللبنانية أو التخلي عن المقاومة المسلحة أو الطلب من سكان الجنوب المنتمين للحزب بمغادرة قراهم وعوائلهم.

بل انه تكيف إستراتيجي مع الحقائق السياسية والعسكرية، لا يمنع من دعم المقاومة الفلسطينية، قبل السابع من أكتوبر، من دون انتهاك شروط القرار.

وقد أعلنت حركة «حماس» على لسان الناطق باسمها أسامة حمدان أن «أي إعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان يسعدنا لأن حزب الله وقف إلى جانب شعبنا وقدم تضحيات كبيرة».

سيقدم الـ1701 الذي يفصل مسار غزة عن لبنان، «وقف الأعمال العدائية» وليس «وقف إطلاق النار». أما وقف الأعمال العدائية فهو مرن وموقت، يهدف إلى الحد من العنف وخلق مساحة لمزيد من التفاوض ويمكن أن يكون أحادياً أو متبادلاً ومن دون مفاوضات موسعة أو آليات تنفيذية معقدة. أما وقف إطلاق النار فهو ملزم لوقف كل الأعمال الحربية وهو دائم مع آلية تمنع استئنافه.

وفي ظل وجود لعنة الجغرافيا، وما دامت إسرائيل موجودة على حدود لبنان وتتمتع بأطماع توسعية وتمتلك ترسانة أسلحة ضخمة ودعم دولي يغطي جرائمها ويمنع تمكين الجيش بأسلحة ردعية، فإن الاستقرار الدائم بعيد عن لبنان.

أما غزة، فقد قدم لها لبنان جلّ ما استطاع من دعم وأرفع تضحيات. وستبقى الجبهات الأخرى تساندها من العراق واليمن وتبقى المقاومة في لبنان حاضرة لدعم القضية الفلسطينية المركزية التي كانت ومازالت «المحور الأم» لأي قضية في الشرق الأوسط.