خاص- بطريركٌ بحروفٍ من ذهب

خاص- بطريركٌ بحروفٍ من ذهب

الكاتب: أسعد نمّور | المصدر: Beirut24
12 ايار 2022

هو الذي حمل صليبه بصمت صارخ، ومشى طريقه الذي كان حافلاً بالمحطات والاستحقاقات المصيريّة من حربيّ التحرير والإلغاء الى اتفاق الطائف عندما كانت الجمهوريّة على حافّة الهاوية، وعندما تحمّلت بكركي الإعتداء عليها.

كذلك تحمّل الاعتداء من قبل المتظاهرين الذين يدّعون اليوم التغيير والإصلاح فحوّل بكركي الى خشبة خلاص، وتحوّل معها الى أحد أهمّ البطاركة في تاريخ الكنيسة المارونية الأنطاكيّة، وكان الحصن المنيع الذي لا يمكن تجاوزه أو اسقاطه.

إنّه البطريرك الراحل مار نصرلله بطرس صفير، الذي تحمّل كلّ تلك الصعاب مرددًا “اغفر لهم يا ابت”، حتى أضحى الصوت الصارخ للحريّة في كلامه وصمته.

كان الحارس الأمين للذاكرة اللبنانيّة وشاهد الحقّ بأصعب الظروف وأقساها، فأصبح اليوم ذكرى في عقل وقلب كلّ لبناني أصيل.

كاتب تاريخ بكركي المعاصر في أشدّ المراحل خطورةً لم يمت في الـ2019 بل أصبح صخرة أساس وارتكاز تحت ترابها.

رجل الاستقلال الثاني وقّع استقالته في مثل هذا اليوم من الحياة الفانية ووقّع عقداً جديداً في فردوس عدن، رجل الدّين المصلّي ليلَ نهار ستكون صلاته أقرب الى آذان الله، أب المقاومة المسيحيّة الرّوحي أصبح ملاكها الحارس، وعرّاب قرنة شهوان ومصالحة الجبل انتقل الى أحضان من أعطاه القوّة لكي يقوم بكل ما قام به من أجل لبنان حتى أصبح اسمه محفورًا في عمق أرزةٍ بقيت خالدة.

في يوم انتقالك الى أحضان الآب الأزلي لا نستطيع سوى أن نطلب منك أن تكون صوت الشعب الصارخ أمام عرش القدير، صوت الشعب الرّازح تحت وطأة حيتان الأسلحة والفساد، صوت الجائع والمنهك والفقير في الفردوس العلي، صوت الشباب اليائس الذي لم يبق أمامه سوى الهجرة من أجل بناء المستقبل، أنت من أنقذ لبنان من الاحتلالات المتتالية والهيمنة الخارجية في حياتك أنقذنا مما نحن فيه اليوم.

بموته خسر لبنان رجلاً عصاميّاً كافح بإيمانٍ وطموحٍ شتّى المخاطرِ وألوانَ النوازلِ وغالبَ بصبرٍ عجيبٍ ومراسٍ عنيدٍ عدوان الطّامعين في سبيل الكرامة والاستقلال.

كم نفتقد اليوم لأمثالِ هؤلاء الرّجال، رجال استقلالٍ أبَوا إلّا أن ينتزعوا حرّيتهم بكرامةٍ فما كان للتاريخِ إلّا أن سطّر أسماءهم بحروفٍ من ذهب، لربّما خسرناك أبًا روحيًّا على الأرض، لكننا كسبناك قدّيساً في السّماء.