إسرائيل تعدّل خططها في لبنان: تفعيل “عقيدة الضاحية”

إسرائيل تعدّل خططها في لبنان: تفعيل “عقيدة الضاحية”

الكاتب: نور الهاشم | المصدر: المدن
13 تشرين الثاني 2024
طوال أسابيع، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تختار فترة المساء لإصدار الإنذارات، وتبدأ القصف الذي ينتهي بُعيد منتصف الليل. تتوجه الكاميرات صباحاً لتوثيق الدمار، وترفد وسائل الإعلام بعشرات الصور التي لا تكفي لتحويل الجمهور إلى وضعية “الحرب”.. فيكمل الناس حيواتهم بشكل طبيعي.

طوال عام من الحرب، قامت الاسترايتيجية الإسرائيلية على مبدأ حصر رقعة المعركة، والانتقائية في تحديد الأهداف، بغرض انتزاع بعض المكاسب، وسرعان ما عدلتها في الأسبوع الأول للحرب الموسعة على لبنان، لعبت فيه على البُعد النفسي.

القصف ليلاً
وعلى مدى أسابيع، كانت إسرائيل تختار وقت الذروة في استخدام الإنترنت في لبنان، وتوقيت الذروة التلفزيونية، لبث الإنذارات والبدء بالغارات الجوية. تتحول الكاميرات باتجاه الضاحية، لتوثيق مواقع القصف، ويتحول الناس من وضعية التعامل اليومي مع شؤون الحياة، الى البحث عن الأهداف في “خرائط غوغل”، وفي صور أفيخاي أدرعي.

في ذلك، بُعدٌ نفسي أضافته قوات الاحتلال كنعصر موازٍ في الحرب القائمة على لبنان. عنصر الحرب النفسية، أرادت منه خلق قطيعة مع أحداث النهار، وتحويل الأنظار الى القصف الليلي فقط، وخلق حدث يتفاعل معه الناس في توقيت الذروة، ولا ينتهي بنوم المشاهدين الذين سيخلدون الى الفراش في لحظة توتر، ويرافقهم الذعر طوال الليل.

لم تنفع الإستراتيجية في خلق حالة الذُعر المطلوبة، خلافاً لما هو مخطط له. سرعان ما فشلت، وذلك مع تطبيع السكان مع القصف، واستكمال حياتهم بشكل طبيعي، والتحول الى زيارة الضاحية عند كل صباح، رغم روائح البارود والنار التي تستدعي ارتداء كمامة، كما يطلب عسكريون الجيش اللبناني من زوار الضاحية على مداخلها، فيما يستكمل السكان عملهم في إخلاء الأثاث، وإفراغ المنازل من الحاجيات الأساسية.

القصف نهاراً
لذلك، تحولت إسرائيل الى استراتيجية أخرى، اختبرتها قبل ثلاثة اسابيع، وبدأت بتطبيقها، وهي القصف في وضح النهار. وتقوم هذه الاستراتيجية على بُعد حربي وآخر نفسي وآخر سياسي.

ففي البُعد الحربي، انتقل القصف الى ساعات النهار، لمنع السكان من ارتياد منازلهم، أسوة بالإفراغ القسري للمستوطنات الشمالية وبعض المدن الإسرائيلية في العمق، مثل عكا وحيفا اللتين تراجع النشاط الاقتصادي فيهما. أعادت فرض منطقة خالية من السكان بالنار، مما يمثل ضغطاً إضافياً على المفاوض اللبناني، بالنار، للتنازل عن بعض مطالبه.

أما في البُعد النفسي، فهي تسعى الى تكريس الذعر كواقع إعلامي. فالقصف في النهار، يتيح للسكان التقاط الصور، فتُعمّم، ويبدأ تداولها عبر منصات التواصل الإجتماعي، ويعاد تدويرها على مدى يومين، مما يخلق حالة ذعر، ويثبّت الخوف في ذاكرة من تطالعه مشاهد التدمير العنيف. وبدأ تطبيق هذه الاستراتيجية في قصف مبنى الطيونة، حيث شوهد سقوط القنبلة للمرة الأولى في النقل المباشر، وتكرر الأمر اليوم في قصف المبنى الذي يقع فيه مطعم “حرقوص تشيكن” على أوتوستراد هادي نصر الله، حيث شوهدت قنبلتان تستهدفان المبنى، وهي صورة من شأنها أن تصبح أكثر انتشاراً.

“عقيدة الضاحية”
البُعد الثالث للتحول الى القصف نهاراً، هو سياسي، يقوم على تفعيل “عقيدة الضاحية” التي باتت عقيدة عسكرية، يُراد منها تحقيق مكاسب سياسية، منذ العام 2006، وتنظر اليها تل أبيب على أنها “الحل الوحيد والشرعي للقضاء على أعدائها”.

وتعتمد هذه العقيدة العسكرية على الحرب النفسية وتخويف السكان، بغرض الردع عبر استخدام القوة المفرطة، وتنتهج القتل المتعمّد للمدنيين والتدمير الكامل للبنية التحتية المدنية، للضغط على الحكومات أو الجماعات المعادية بهدف قلب موازين المعركة لصالحها.

ويُعدّ قائد القيادة الشمالية السابق في الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، هو من وضع الأسس، التي تقوم عليها “عقيدة الضاحية”، والمتمثلة بتفعيل القوى النارية الإسرائيلية والتدمير الكامل للمدن والقرى والبنية التحتية للمناطق التي يتم اجتياحها واستهداف المدنيين. وأعلن عنها خلال حرب غزة في 2008، حين خلال قال إن إسرائيل “ستتعامل مع أي منطقة تدعم أعداءها على أنها ميدان حرب شرعي، وستستخدم فيها القوة القصوى لتدمير البنية التحتية وتحقيق الردع”.

وتسعى قوات الاحتلال من خلال تفعيل هذه النظرية الى التدمير الكامل للبنى التحتية للقرى والبلدات التي توجد فيها القوى المناوئة، بهدف فصل هذه القوى عن حاضنتها الشعبية.