إعادة الإعمار: وهم التعويل على إيران
منذ تدخّلها المباشر في لبنان مع تأسيس “حزب الله”، نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتملّص من عواقب توجيهات مرشدها الأعلى علي خامنئي، وتبعات تحكّمه كوليّ فقيه بقرارَي الحرب والسّلم. أما اليوم، وقد صار تدخّل طهران مكشوفاً حدّ إصابة السفير الإيراني للبنان مجتبى أماني في “تفجيرات البيجر”، فانقلبت معادلات الدبلوماسية وارتفعت الأصوات المنادية إما بتكبيد إيران الخسائر الناتجة عن حرب الإسناد، أو الركون إلى إيران في مسألة إعادة الإعمار بعد الحرب. وفي وهم التعويل هذا، انفصال عن الواقع.
المصلحة الروسيّة
لم يحصر النظام السوري دعمه لـ”حزب الله” باستقبال النازحين من أهله اغتناماً لاحتماليّة كسب الجانب الأميركيّ فحسب. وإنما ضعف مساندته مقصود خدمةً لروسيا، كمستفيد مباشر من المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية على أرض لبنان. وكلّما زاد تورّط الولايات المتحدة الأميركية في مجريات الحرب، انخفض الاهتمام العالمي بالملف الأوكراني، وارتفعت احتمالية إزاحة النفط الإيراني المنافس لها من السوق الصينية.
روسيا، المستفيد الخفيّ من تهوّر “حزب الله”، تُضعِف إيران في كواليس التحكم بأسعار النفط. لا بل، تلعب دوراً أساسياً في تحالف “أوبك+” الذي يضم السعودية.
وكل التحليلات الاقتصادية تشير إلى تخلٍ مرتقب للتحالف عن قيود الإنتاج الحالية، ما يمكن أن ينتج عنه تراجع حاد في الأسعار بنحو 40% من المستويات الحالية. الأمر الذي لن يُناسب بكين، ويفتح الباب على مصراعيه لموسكو.
لم تكن روسيا بهذا الوضوح في التماهي مع المصالح الأميركية من قبل، فما يُحاك توازياً مع ذلك من تلويح أميركي بفرض عقوبات بحق إيران يندرج تحت معادلة: “زيادة الخير خير” لروسيا، التي كثّفت اعتمادها على الدعم العسكري من كوريا الشمالية التي باتت تصنّع المسيّرات الإيرانية “الرخيصة الفعّالة” على أرضها ولن تجد صعوبة في خسارة تجارتها الخارجية مع إيران.
وفي هذا التخبّط الإيراني بين المصلحتين الروسية والأميركية، وضوح تام، بأنه من الصعب أن تقوى إيران على تحمّل تبعات إعادة إعمار الجنوب اللبناني وتعويض الخسائر المقدّرة بنحو 20 مليار دولار حتى الساعة، متضمنة خسائر القطاعات الاقتصادية والأضرار التي لحقت بالمنازل والأبنية والبنى التحتية.
إيران… وقائد وزارة الكفاءة الأميركية
من العبث كذلك عدم وضع اللقاء السرّي و”الإيجابي”، الذي جمع بين الملياردير إيلون ماسك، المقرّب من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وسفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، إلى مائدة المقاربة والتحليل، ومحاولة إثبات أن لا جديد يستحق التوقّف عنده. بل ينبغي مراقبة ما ستتمخض عنه اجتماعاتٌ كهذه من صفقات تُترجم لاحقاً في لبنان، انصياعاً كان أم تمرّداً من “درة تاج” جبهة المشاغلة الإيرانية في المنطقة، “حزب الله”.
وفي هذا الضغط التفاوضي، الذي يديره قائد وزارة الكفاءة الوزارية الأميركية إيلون ماسك، انفتاح إيراني مبطّن على تراجع مأمول لـ”حزب الله”، يوقف استنزافه ميدانياً، كما يتفادى أي إحراج لاحق في حال فاقت الخسائر الفعلية توقعات طهران وما رصدته من أموال مسبقة لأهداف التعويض وإعادة الإعمار.
طهران: تقنين كهربائي
وبينما يعوّل البعض على نجدة إيرانية ماديّة، تعاني الجمهورية الإسلامية من أزمة طاقة مستجدّة، بحيث أعلنَت تقنيناً كهربائياً منذ يوم الأحد 10 تشرين الثاني لتشمل العاصمة طهران في أعقاب انخفاض مستوى احتياطي الوقود السائل لمحطات توليد الكهرباء بنسبة 40 في المئة وعدم قدرة الحكومة على توفير الديزل الذي تحتاجه محطات التوليد ما نتج عنه تداعيات طبية وتربوية واقتصادية خانقة.
نظرة فاحصة ومتأنية للواقع داخليّاً وخارجيّاً تتنبأ بحقيقة واحدة: من يوكل أمر إعادة إعمار لبنان للملالي، واهم!