حرب لبنان: الهدف الأبعد نزع سلاح “الحزب”
لن تتوقف الحرب في لبنان بين إسرائيل و”حزب الله” قبل أن يصل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أي عندما يتسلم سلطاته التنفيذية في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. ولن تؤدي مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى تغيير جوهري في المقاربة الإسرائيلية للحرب ضد “حزب الله”؛ فإسرائيل تعتبر أنها تمكنت من إلحاق أذى كبير جداً في بنية “حزب الله”، إلى درجة أنها باتت تنظر إلى المسألة من زاويتين: الأولى، أن تحطيم القوة العسكرية الاستراتيجية للحزب بات ممكناً واقعياً. والثانية أن تحطيم هذه القدرة العسكرية إن حصل سوف يضعف إيران الإسلامية بشكل كبير في المنطقة وينعكس معنوياً في الداخل. فـ”حزب الله” تنظيم غير عادي في الاستراتيجية الإيرانية.
يميل معظم المراقبين للملف الإيراني إلى اعتبار الحزب المذكور جزءاً من تركيبة النظام، وبالتحديد جزءاً من “فيلق القدس” المنبثق من “الحرس الثوري”، أي أن الحزب، لاسيما خلال عهد أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله، انصهر بشكل كبير مع النظام الإيراني وصولاً إلى إقامة علاقات قربى عائلية على أكثر من مستوى بين قيادات الحزب وقيادات إيرانية في “الحرس الثوري”. بهذا المعنى يعتبر الإسرائيلي أن تحطيم قوة “حزب الله” العسكرية سوف ينعكس بشكل كبير على إيران وينجم عنه مضاعفات كبيرة في المرحلة المقبلة.
انطلاقاً مما تقدّم، فإن الوساطة الأميركية ستظل على الطاولة، من دون أن يخوض من أجلها الأميركيون معركة سياسية ضد الحكومة الإسرائيلية وخصوصاً أن هدف تحطيم الحزب عسكرياً مشتركٌ بين تل أبيب وواشنطن؛ فالأخيرة التي ترفض أن تقوم إسرائيل بالهجوم على إيران نفسها، وأن تستهدف المنشآت النووية أو النفطية، لا تمانع أبداً أن لا يعود لـ”حزب الله” أي قدرة عسكرية يمكن أن تزعج إسرائيل أو المصالح الأميركية في المنطقة. هذا الهدف قد يكون أصبح وفق القراءة الغربية في متناول يد إسرائيل التي ستحتاج إلى مزيد من الوقت لبلوغه. وواشنطن مستعدة أن تعطيها المهلة الزمينة المطلوبة شرط أن لا يتم استهداف أصول الدولة اللبنانية الشرعية، وفي المقدمة الجيش اللبناني الذي سيكون عليه أن يلعب دوراً متقدماً في المرحلة المقبلة بعد أن تنتهي الحرب.
إذاً، نحن نتحدث عن حرب قد تطول عدة أسابيع من دون أن يسحب ملحق المقترحات الأميركية الذي حمله الموفد آموس هوكشتاين إلى بيروت وتل أبيب، بل سيبقى على الطاولة كأساس للحل المقبل. ووفق المعطيات على الأرض، سيتم تعطيله إما لصالح إسرائيل أو لصالح إبقاء ما يُمكن الحفاظ عليه من قوة “حزب الله”. وهنا لا بدّ من التوقف عند مسألة التوغل الإسرائيلي في الجنوب، فهو مستمر وإن ببطء. وشيئاً فشيئاً تتكشف ملامح الأهداف، الأقرب وهو الوصول إلى ضفة نهر الليطاني، والأبعد إذا ما انهار الحزب عسكرياً، الوصول إلى نهر الأولي ثم التوقف للتفاوض على ترتيبات قاسية بالنسبة إلى “حزب الله” الذي سيطرح حكماً ملف سلاحه من زاوية إجباره على تسليمه بغطاء إيراني إلى الجيش اللبناني، ومن ثم حل الجناح العسكري بشكل كامل.
قد ينجح الإسرائيليون بالوصول إلى نهر الليطاني تزامناً مع محاصرة مدينة صور ليفرضوا تنفيذ القرار 1701 كما يرونه. لكن بلوغ الليطاني لن يكون كافياً لطرح مسألة مصير سلاح “حزب الله” على بساط البحث. أما في حال استمرّت الحرب إلى الربيع المقبل وتمكنوا من بلوغ نهر الأولي، فإن مصير السلاح سيكون على المحك بشكل أوتوماتيكي.
هذه سيناريوهات مطروحة ويتم تداولها في الأوساط الديبلوماسية الغربية. هذه الأوساط هي نفسها التي واظبت على إصدار تحذيرات متتالية لـ”حزب الله” ولكل من تماهى معه من الطاقم السياسي اللبناني الحاكم مفادها أن حرب “الإسناد” كانت بمثابة اللعب بنارٍ نهايتُها إحراقُ اللاعب نفسه.
انتهت مرحلة اللعب بالنار بإحراق “حزب الله” والبيئة الحاضنة التي منحته ما يلزمه من قوة احتضان لكي يغامر بمصير كل لبنان. وفي النهاية حصل ما حصل، وبات لبنان أمام استحقاقات خطرة للغاية، أهمها أنه يخسر يومياً أجزاء من أرضه في الجنوب، ويتعرض في أجزاء واسعة منه إلى تدمير منهجي. ومن الناحية العملية تشير الأوساط التي نتحدث عنها إلى أن المطروح قد يكون نهر الليطاني وربما أبعد إلى نهر الأولي عند مدينة صيدا والهدف نزع سلاح “حزب الله”.