الجسور المستهدفة بين لبنان وسوريا حرب إسرائيل على شرايين الإمداد والتهريب
تُعدّ المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا أكثر من مجرد مسارات للتهريب، فهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي الهش في البقاع والشمال اللبنانيين.
في ضربة جوية تعتبر الأعنف، انطلقت الطائرات الإسرائيلية ليل الأربعاء لتستهدف جسورا صغيرة ومعابر غير شرعية تعتبر شرايين حياة اقتصادية حيوية على الحدود البقاعية الشمالية للبنان مع سوريا، وتحديدا في ريف القصير داخل الأراضي السورية. هذه المعابر التي تشكل نقاط وصول حيوية للتجارة غير المشروعة بين البلدين، تداخلت فيها مصالح التهريب، إذ تضم معبرا رسميا مثل معبر القاع – جوسية، بالإضافة إلى تلك غير الشرعية التي كانت تُستغل لتهريب المحروقات والسلع الغذائية، وحتى الأشخاص.
يُعدّ معبر المصنع في البقاع الأوسط واحدا من المعابر التي تلقى استهدافا متكررا، ويُعتبر نقطة حيوية لعبور البضائع المشروعة. ورغم أن المبررات الرسمية التي تقدمها إسرائيل تركز على منع تهريب الأسلحة إلى “حزب الله”، فإن الأهداف الكامنة وراء هذه الهجمات قد تكون أكثر تعقيدا مما تبدو عليه.
يُشير بعض المراقبين إلى أن تلك الضربات تهدف في جوهرها إلى الضغط على العشائر التي تستفيد من هذه المعابر، في مسعى لإضعاف قاعدة دعم “حزب الله” في المنطقة.
المعابر: اقتصادية وسياسية
تُعدّ المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا أكثر من مجرد مسارات للتهريب، فهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي الهش في البقاع والشمال اللبنانيين. يعتمد العديد من السكان على هذه الممرات في التجارة والنقل. ومع تدمير هذه الجسور، يزداد الضغط على سكان المناطق الحدودية الذين يرزحون بالفعل تحت وطأة آثار الحرب.
تهريب متواصل وعائلات متخصصة
تاريخيا، تبرز عائلات بقاعية في عالم التهريب، إذ تمتد سيطرتها إلى العديد من المعابر غير الشرعية الحدودية، مثل حوش السيد علي والهرمل. في الماضي، كانت حركة التهريب تتجه في شكل رئيسي من سوريا إلى لبنان، ومع تطور الأحداث السورية والأزمة الاقتصادية اللبنانية، تبدلت هذه الدينامية، ليصبح التهريب من لبنان إلى سوريا أكثر انتشارا ورواجا.
تأثير الضربات على الاقتصاد المحلي
لا يقتصر تدمير الجسور على إعاقة شبكة التهريب فحسب، بل يمتد ليعطل حركة التجارة المحلية في ما يتعلّق بالمعابر الشرعية، مما يعمق معاناة السكان ويزيد أعباءهم. التصليحات تحتاج إلى زمن طويل وتكلفة باهظة، مما يفاقم الوضع في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية القاسية.
ويقول أحد المصادر المحلية: “كلما سعى الجميع إلى ترميم جسر أو معبر، تعاود إسرائيل استهدافه، مما يجعل استئناف عمليات التهريب أو تصريف المحاصيل الزراعية غاية في الصعوبة”.
من يهيمن على المعابر غير الشرعية الحدودية؟
تبدو المعابر الحدودية غير الشرعية كأنها ساحة معركة بين شبكات من المهربين، حيث لا تملك أي جهة رسمية السيطرة الكاملة عليها، سواء في لبنان أو سوريا. ورغم أن “حزب الله” يظل بعيدا من التدخل المباشر في هذه النشاطات، وفق ما يعلن مسؤولوه، مع كثير من الشكوك حيال الأمر، يبقى تأثيره واضحا على التنقل والحركة في المنطقة. وفي الجانب السوري، تتولى الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري (بقيادة اللواء ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشارالأسد) إدارة العديد من هذه المعابر، مما يزيد الوضع الأمني تعقيدا على الحدود.
ذريعة أم وسيلة ضغط؟
تُسَوِّغ إسرائيل غاراتها الجوية بأنها لمنع تهريب الأسلحة إلى “حزب الله”. ولكن وفقًا لمصادر محلية، فإن هذه الجسور تُستَخدم في شكل رئيسي لتهريب الوقود والمواد الغذائية، مما يُعَقِّد الفصل بين الأبعاد الاقتصادية والسياسية. قد تكون هذه الضربات جزءًا من إستراتيجية موسعة تهدف إلى الضغط على العشائر المحلية التي تستفيد من هذه المعابر، مما يُفضي إلى تصاعد التوترات في العلاقات بين هذه العشائر و”حزب الله”.
صرخة الأهالي
بينما يتوجه البعض نحو مساعي إصلاح الجسور المتصدعة نتيجة الغارات الإسرائيلية، يبقى بعض السكان في المنطقة متمسكين بموقفهم الرافض، خشية أن يصبحوا ضحايا للصراع المستمر. وقد عبر أحدهم بوضوح عن مخاوفه: “لسنا طرفًا في عمليات التهريب، فلمَ علينا تحمّل الأعباء؟ نرفض إعادة فتح المعابر إذا كان ذلك سيجعلنا عرضة للاستهداف الإسرائيلي”.
يبقى المشهد الحدودي في منطقة البقاع الشمالي معقدا وذا طابع خاص، إذ تتشابك فيه خيوط الجغرافيا والتاريخ والسياسة لتنسج واقعا يتعذر احتواؤه. هذه المعابر غير الرسمية ترسم خطوطا خفية تفصل بين دولتين، حيث يصعب على أحد أن يحدد بداية السيادة اللبنانية ونهايتها أو ينفي السيادة السورية. وتبقى الجسور المدمرة شاهدا على الصراع الدائم حول هذه الحدود، التي لن تجد لها حلولا في الأفق القريب.