لماذا بعض الدول تغتني وغيرها تفتقر؟

لماذا بعض الدول تغتني وغيرها تفتقر؟

الكاتب: د. فؤاد زمكحل | المصدر: الجمهورية
18 تشرين الثاني 2024

قبل أيام، فاز ثلاثة مِن أهم وأكبر الخبراء الإقتصاديّين الدوليّين بجائزة نوبل في الإقتصاد لعام 2024، وذلك تقديراً لأبحاثهم التي تناولت سبب اختلاف مستويات الثراء والفقر بين الدول، وقد قدّمت دراساتهم إجابات علمية حول العوامل التي تُساهم في جعل بعض البلدان غنية، بينما تعاني أخرى من الفقر المستدام، مسلّطين الضوء على التأثيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تحديد مسارات التنمية.

يعتقد البعض أنّ الدول الثرية، هي التي تملك وتتكّل على الموارد الطبيعية، لكن برهنت دراسة نوبل للاقتصاد الأخيرة، أنّ هذا التفكير خاطئ جداً، لا بل إنّ أساس الدول التي تُثرى أو تفتقر مرتبطة مباشرة وأساساً بالحَوكمة الرشيدة، الشفافية، الإدارة والعدالة.

وقد برهنت هذه الدراسة الدولية، أنّ بعض الدول التي تُثرى وتحسّن نسبة عيش شعبها، هي الدول التي تحترم القانون والمؤسسات، وتدعم شعبها وتقود اقتصادها إلى الإنماء.
فهذه الدراسة العميقة وضعت تقارباً بين دول عدة، وقد برهنت بطريقة واضحة وعلمية، أنّ الدول التي لا تحترم القانون وحقوق الملكية الفكرية ومؤسساتها العامة، هي بلدان تتراجع يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر وسنوات بعد سنوات، وتفتقر من دون أي إنماء، وأي نيّة للإصلاح.
فهذه البلدان التي تتراجع اقتصادياً واجتماعياً ويتدهور ناتجها المحلي، تهرّب المستثمرين والرياديّين والمبتكرين، فتتراجع نسبة العيش وتفتقر أكثر فأكثر.
أمّا الدول التي تنمو اقتصادياً، فهي الدول التي تحترم القوانين ومؤسسات الدولة، وتدعم الحرّيات، وتحترم الديموقراطية وتحاسب وتُحاسَب.
أمّا الجزء الثاني من هذه الأبحاث التي نالت جائزة نوبل للعام 2024، فقد أجرى مقارنة بين الدول التوتاليتارية مثل الصين وغيرها، التي تكبت الحرّيات والديموقراطية، وتُدار من حزب واحد، وتطبّق القيادة الأحادية، مقارنةً بالبلدان التي تدعم الحرّيات والديموقراطيات وتحقّق على المدى القصير المتوسط والبعيد نمواً اقتصاديا وتحسّن نسبة عيش شعبها.
تركّز وتشدّد هذه الدراسة على أنّ الشفافية والحَوكمة الرشيدة واحترام القانون والمؤسسات، هي المكوّن الأساس لإنماء البلدان، ولا سيما تلك التي تثري اقتصادياً واجتماعياً، ويرتفع فيها مستوى عيش شعبها ومداخيله.

من جهة أخرى، تبرهن هذه الدراسة أنّ الفساد والزبائنية، ولا سيما التحاصص السياسي، هو المكوّن الأساس للبلدان التي تُفتقر ويتراجع اقتصادها ويتدهور مستوى عيش شعبها.
في الوقت الحاضر، إنّ لبنان يعاني حرباً تدميرية وتخريبية، لكن علينا كإقتصاديّين وسيدات ورجال أعمال لبنانيّين، أن نبدأ الحديث والتركيز على إعادة الإعمار، التي نتمناها قريباً، لكنّ إعادة البناء من دون نظرة واضحة ورؤية موحّدة، لن تتحقّق.
لذا لا شك في أنّنا نعيش اليوم دمار المنازل والحجر، لكنّنا واجهنا منذ سنوات أيضاً التدمير الممنهج والمبرمج على كل مؤسسات الدولة، فإعادة الإعمار تبدأ بإعادة إعمار الحقوق والقوانين والعدالة ومؤسسات الدولة، والاقتصاد الأبيض والتوازن الإجتماعي.
إنّ ركائز إعادة الإعمار تكون بإعادة إعمار القلوب، النوايا، الرؤية، الإستراتيجية والخطط. لا شك في أنّ إعادة الإعمار تبدأ أيضاً بإعادة بناء الشعب ومحبّته للوطن، واحترامه للدستور ولسائر مؤسسات الدولة، لأنّه من دونها لن يتحقق أي إعمار مَتين وأي إنماء مستدام.
في المحصّلة، علينا أن نتعلّم من «عِبَر» جائزة نوبل 2024، ولن نراهن على بعض الموارد الطبيعية المدفونة تحت الأرض والبحر، لكن علينا أن نركّز على مواردنا الأخلاقية التي تدور حول العالم، ونستفيد منها على أرضنا.
فالتخريب الذي نعيشه اليوم في الأرواح والبناء والقرى سبقه تدمير لكل مؤسسات الدولة، والعدالة والحقوق في ظل الزبائنية والفساد والتحاصص. وإذا أردنا إعادة بناء بلد متين قبل بناء الحجر، علينا إعادة بناء الحَوكمة والشفافية واحترام دولة القانون والمؤسسات، واحترام الدستور والتشديد على دور القوى العسكرية الحامية والوحيدة للأرض والشعب.

نحن اليوم على مفترق طرق، إمّا نبني دولة حقيقية، تجذب المستثمرين والرياديّين والمبتكرين، وتبنّي الإنماء والثراء، وإمّا نتابع تدمير دولتنا ومؤسساتها وحقوقها، ونبني دولة اللاقانون واللاحقوق، دولة الفساد والنهب، دولة المافيات التي تجذب المهرّبين والمروّجين والمبيّضين.