«سجادة» تسوية تُحاك في السلطنة بـ»إبرة» أميركية و»خيوط « إيرانية أو العكس..؟
هل التهديد الإيراني لإسرائيل بـ» وعد صادق 3» رداً على العملية التي قامت بها ألاخيرة ضدّ أهداف عسكرية في الجمهورية الاسلامية، ومسارعة الإدارة الأميركية إلى تحذير طهران من عدم قدرتها على كبح «جموح» بنيامين نتنياهو ورغبته في ردّ انتقامي غير محدود، وإرسالها قاذفات «B52» إلى منطقة الشرق الأوسط، يضعان المنطقة أمام حرب إقليمية واسعة يتعذّر تحديد مداها ومدتها؟ وهل تخرج الأمور عن السيطرة بإرادة الأفرقاء المعنيين او رغماً عنهم تبعاً لوقوعات الميدان؟
يقول ديبلوماسي عربي يقيم في إحدى الدول الاوروبية، انّه وبعكس الشائع حالياً، وسط ألسنة اللهب المتصاعدة من أرض الميدان في لبنان وغزة، فإنّ الاتصالات الاميركية – الإيرانية لا تزال مستمرة في سلطنة عمان بنحو او بآخر.
وهي وإن توقفت، فلفترة وجيزة، لتعود بوتيرة مقبولة، وعلى جدول أعمالها أولاً الملف النووي والحرب الدائرة في لبنان وقطاع غزة، والدور الذي يمكن الطرفان القيام به من أجل وقفها، وعدم المضي في تصعيدها والاتجاه بها إلى مدارات تُشعل منطقة الشرق الاوسط بكاملها.
وإن إستمرار المفاوضات مع طهران هو ما سمح لواشنطن بالاضطلاع بمهمّة الوسيط لـ “دوزنة” الردّ الإيراني على إسرائيل والعكس، في مرحلتين من مراحل المواجهة.
ويرى هذا الديبلوماسي، أنّ محادثات عُمان كانت قد حققت تقدّماً في الملف النووي بالاتفاق على المرحلة الانتقالية، وكان هذا الاتفاق على قاب قوسين او أدنى من التوقيع، لو لم يمتنع الرئيس جو بايدن، مفضّلاً ترحيله إلى خَلَفه الذي ستحمله الانتخابات إلى البيت الأبيض. ويؤكّد الديبلوماسي نفسه أنّ هناك اقتناًعا لدى الاميركيين وبعض الدول العربية ذات النفوذ والتأثير، انّه لا يمكن حذف إيران من المشهد، والظن في إمكان عزلها ومحاصرتها من دون أن يكون لذلك أي تداعيات على السلم الدولي والإقليمي.
وبطبيعة الحال، فإنّ إسرائيل لن تستمع إلى الاصوات الداعية إلى وقف عملياتها في لبنان، ولم يعد لها من بنك أهداف بعدما اغتالت من اغتالت، وهدمت ما هدمت، وبات شعارها “التدمير للتدمير”، كما “الفن للفن” لغايتين:
ـ الأولى: حمل “حزب الله” على الموافقة على وقف إطلاق النار وفق “دفتر شروطها”، معتقدة أنّ حجم الضربات في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية ستزيد الضغوط من بيئته وخارجها والدولة عليه، لكي يقبل بما يُعرض عليه، وتذهب في اعتقادها حدّ الرهان على حصاره داخلياً بعد أن يصبح الجميع في مواجهته.
ـ الثانية: رفع وتيرة التصعيد خصوصاً في عزّ احتدام معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ألاميركية، لتقوية موقعها التفاوضي في المبادرة المتوقعة التي سيطرحها أياً تكن هوية الوافد الجديد إلى البيت الابيض. ومن هنا التوقع بأنّ الأيام المقبلة لن تقلّ قساوة وهولاً عن ألايام المدبرة.
إذاً، لا يزال لبنان في مدار الأوقات العجاف في ضوء عجز دولي وعربي عن استنباط الحلول التي تخرجه من الدوامة التي يلغ فيها. ويشير الديبلوماسي العربي إياه إلى أنّ سُحب الدخان، وإن تكاثفت، لا تلغي وجود عمل جاد للخروج من المحنة التي تثقل على كل المنطقة العربية.
فإسرائيل تريد “نصراً” حاسماً يمكنها من ضمان استقرارها السياسي، العسكري، الأمني والاقتصادي لمدة تتراوح بين الثلث والنصف قرن. فيما “حزب الله” ومن ورائه إيران يسعى إلى الثبات في الميدان لمنع قوات الدولة العبرية من التوغل براً، وتثبيت مواقع عسكرية لها، الأمر الذي يمكنها من القول إنّها حققت نصراً حاسماً، يقرش في أي تسوية منتظرة لغير مصلحته.
ولذلك فهو يخوض معركة شرسة في مواجهتها على ارض الجنوب لعدم تمكينها من احتلال اي جزء منها. لكن حاجة واشنطن إلى تسوية شاملة تكون لها الأرجحية، سيجعلها مهتمة بإكمال المفاوضات مع طهران في محاولة منها لتحقيق الآتي:
أ- وقف الأعمال الحربية في لبنان وغزة، والوصول إلى ترتيبات أمنية، وسياسية ـ أمنية تنهي التوتر.
ب- تقاسم النفوذ بعد اتضاح مآل الملف النووي وقبول جميع الأطراف بمضمونه نصاً وروحاً. إنّ ما يساعد على التسوية هو تشجيع دول الخليج المجاورة لإيران على إيجاد حل سلمي للملف، وسحب كل فتائل التفجير التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، وليس أدلّ إلى ذلك من التواصل بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، واعلان الرياض أنّها اخذت على عاتقها حمل بيرق حل الدولتين، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل بقوة، كما رفضت سابقاً قيام دولة واحدة على أرض فلسطين تتلاقى فيها الأديان وتتحاور وتتعايش وتكون القدس عاصمة مفتوحة لجميع أتباعها.
وبات واضحاً أنّ دعاة حل الدولتين في حرج إزاء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وفتكها بالحجر والبشر، وهي ستصادف صعوبة في التعامل مع إسرائيل إذا لم يكن هناك ثمن يعادل السلام الذي تنشده، لأنّ السلام لا يُفرض بالحديد والنار، ولو فرضاً أنّ هناك غالباً ومغلوباً على الارض، وهو في اي حال سيكون موقتاً.
ما يعني أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ومحور الحرب او السلم في هذه المنطقة من العالم. وليس كما تدّعي تل أبيب أنّ الحرب مستوردة، ومفتعلة ولا سبب لنشوبها، لولا أطماع إيران والمحور المساند لها.
ويتوقع الديبلوماسي العربي أن تكون الإدارة الأميركية الجديدة إمام أمرين:
1- استئناف المفاوضات من حيث بلغت إدارة الرئيس جو بايدن، والسير حثيثاً نحو الحل.
2-العودة إلى نقطة البداية بإطلاق حوار جديد في سلطنة عمان للوصول إلى اتفاق حول الملف، سواء كانت الإدارة الجديدة ديموقراطية او جمهورية.
ويختم السفير العربي، أنّ “ثمة “سجادة” حل تتناوب على حياكتها بدقة كل من واشنطن وطهران، بإبرة أميركية و”خيوط” إيرانية، وبالعكس.
وهي تتمّ بدقة من دون كبير اعتبار لعامل الوقت. فمتى تُنجز هذه السجادة؟ ومتى يتمّ “فلشها” وإقناع من يعنيهم انّها الخيمة المانعة لانزلاق جميع الأطراف المعنيين إلى ما هو أسوأ، وأشدّ كارثية مما حصل ويحصل اليوم
هذا هو السؤال الذي قد لا تكون الإجابة عنه حاسمة وواضحة. لكن مما لا شك فيه أنّ إسرائيل تستغل إلى أبعد الحدود الانشغال الاميركي بالانتخابات الرئاسية ونتائجها وتداعيات هذه النتائج، لتستمر في اعتداءاتها ومجازرها في غزة ولبنان، ومحاولتها فرض وقائع ميدانية تعينها على إملاء ما تريده من حلول، تساندها الدولة العميقة في دوائر القرار في واشنطن. ولكن هل ستُنجز “سجادة” الحل الموعود قبل “خراب غزة ولبنان” كلياً؟