1701 لا يستر التداعيات الكارثية!

1701 لا يستر التداعيات الكارثية!

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
1 تشرين الثاني 2024

كان الـ1701 أفضل سلاح لبناني أساساً لحماية لبنان من هذه العدوانية فصار بعد المحرقة، وبنتائج الحرب العلنية والمكتومة، عنوان هزيمة كارثية مهما جملت الخلاصات. ولن يعترف المكابرون طبعاً.

سجّل “عدّاد” الضحايا في لبنان ارتفاعاً في أعداد الشهداء والجرحى والمصابين اللبنانيين في الأيام الأخيرة السابقة للإعلان الموعود لهدنة توقف الحرب إلى ما يتجاوز العدد اليومي المخيف الذي يُسجّل في غزة منذ انفجار حربها وأكثر. وإذا تجرأنا على المجازفة باعتبار أن الساعات والأيام المقبلة ستحمل إلينا تثبيتاً لصفقة آموس هوكشتاين، بين لبنان وإسرائيل، كاختراق كبير قبيل الثلاثاء الانتخابي الكبير في الولايات المتحدة، فإن مشاعرنا ستتّجه فوراً نحو ما يتجاوز الـ 2800 ضحية، والـ 13000 جريح ومصاب، والمليون نازح الذين هجّروا من منازلهم، والدمار الماحق الذي مُحيت بفعله قرى وبلدات، وحتى مدن، بل صارت “بودرة”، مثلما لم تشهده إلا غزة نفسها.

لم يحن بعد وقت الجردة المخيفة على البارد، لأن مفاجآت اللحظة الملتبسة الأخيرة تبقى ماثلة بقوة، وتردع كثيرين عن إشهار الحقائق الموجعة أمام تعاظم آلام اللبنانيين المصابين بكلّ كوارث هذه الحرب. مع ذلك، ترانا لا نتمالك أنفسنا عن التوقف أمام رمزية المصادفة، التي تجعل إمكان كتابة وثيقة نهاية الحرب بأحرف أميركية، في الذكرى الثانية لبدء أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، علماً بأنه من الممكن الجزم بأن لا صلة لتوقيت هذه المصادفة إلا بالأيام المعدودة الفاصلة عن الثلاثاء الانتخابي الأميركي الكبير.

بناءً عليه، سيكون التعامل اللبناني الداخلي، السياسي والإعلامي، مع النهاية الوشيكة (المفترضة) للحرب، محفوفاً بالانقسام الشديد، وسيعكس القدر المخيف لتداعيات الحرب على الواقع المدمّر، لا في البشر والحجر فقط، والذي أعاد لبنان عقوداً إلى الوراء فحسب، بل في عمق إعادة ترميم البنية الوطنية السياسية والدستورية والدولتية كلها.

والحال أن أسوأ ما سيطفو على سطح لبنان ما بعد هذه الحرب هو أن تعود سياسات الإنكار، وكتم الحقائق، لتسيطر على ذهنية سياسية قد لا يكون دمار لبنان كافياً لها للإقلاع عن الانتحار ونحر لبنان معها. هذه الحرب كانت أخطر الزلازل التي ضربت لبنان بعد حروبه في القرن الماضي، وأخطر الزلازل التي ضربت وحدته الوطنية “المزعومة”، وأخطر الزلازل التي أفضت إلى تفجير معادلة ارتباط وارتهان فئة طائفية وحزبية مستقوية بخارج إقليمي على غرار كارثة تدفيع لبنان تكلفة ارتباط “الحزب” بإيران.

لم تكن عدوانية إسرائيل مع فريق حكوميّ حاكم، هو الأشد نازية من النازيين أنفسهم، بحاجة إلى اختبار واستدراج، بعدما سحقت غزة سحقاً في إبادة جماعية، عقاباً على “طوفان الأقصى”؛ ومع ذلك أسقط لبنان في التجربة الأقسى والأشرس، وهو أساساً يترنّح ويتهاوى تحت وطأة مكابرة ومعاندة واسترهان عنوانه الكبير الفراغ الرئاسي.

بعد “حرب المشاغلة” في جنوبي لبنان، التي أعقبت بيوم واحد اشتعال حرب غزة، صارت المعادلة الكارثية اللبنانية أشبه بحكم إعدام مؤجل على مسارين: الأول أمني – عسكري، بفعل إشهار الحرب من دون استشارة أحد، ولا حتى مراعاة الشكليّات مع “شركاء وحلفاء” مزعومين في السلطة والسياسة والتحالفات، والثاني سياسي – دستوري في ظل انعدام رأس النظام والدولة ومنع انتخاب رئيس للجمهورية لإبقاء الواقع الدستوري والمؤسساتي تحت سيطرة الفريق الممانع بالكامل.

“تفرغت” الدولة العبرية لجنوبيّ لبنان والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية، وشكّل الدمار الساحق لهذه المناطق نموذج الخبث الدولي بل والتواطؤ المكشوف على ترك إسرائيل تفتك بلبنان تحت عنوان إنهاء “الحزب”. كان الـ1701 أفضل سلاح لبناني أساساً لحماية لبنان من هذه العدوانية، فصار بعد المحرقة، وبنتائج الحرب العلنية والمكتومة، عنوان هزيمة كارثية مهما جَمُلت الخلاصات. ولن يعترف المكابرون طبعاً.