حرب لبنان بين خطوة إيران إلى الوراء و… «الحزب» إلى الأمام
بين حادثِ الدهْس في تل أبيب، وإشاراتِ بنيامين نتنياهو إلى وجوبِ المضيّ في «الدوس على البنزين» حتى تحقيق أهداف «حرب الجبهات السبع»، مروراً باشتدادِ المواجهاتِ عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وعليها، بدتْ المنطقةُ العالقة منذ عام ونيف في قلْب «إعصار النار» في غزة وأخواتها وكأنّها أمام منعطفٍ يقودُها، إما إلى تعميقِ الحفرة التي زُجّت فيها منذ «طوفان الأقصى» وما تلاه، وإما إلى تَدارُكِ الأسوأ عبر التقاط «خشبة» الدبلوماسية العائمة فوق بحرٍ من الدم والدمار والهائمة حتى الساعة في دفاتر شروط تذكي الصراع الهائج.
وغداة الضربةِ الإسرائيلية على إيران والتي تتحدّث تل أبيب وتقارير أميركية عن أنها حقّقت أهدافَها، وإن مع «كواتم للصوت والصورة»، لم تؤشر مواقفُ نتنياهو أمس، ولا نَسَقُ ضرباتِ جيشه في لبنان وعملياتِ «حزب الله» ضدّه على الحدود (كما في شمال إسرائيل) إلى أنّ تحييدَ تل أبيب، النووي ومنشآت النفط والغاز وتَجَرُّعَ طهران الهجومَ عليها، سواء تحت عنوان «الرد سيكون بحكمة وذكاء» أو معادلة «عدم التقليل منه أو المبالغة فيه»، يعنيان بالضرورة أنّ «إدارةَ الضربة» بما لا يفجّر الحربَ الإقليمية الشاملة ارتكزتْ على منصة حلٍّ جاهِز أو يقترب.
وبإعلانه أمس، «نحن في خضمّ حربٍ وجوديةٍ طويلةٍ وصعبة، تكلّفنا ثمناً مؤلماً ولكننا لن نتراجع، (…) ونحن نعيدُ كتابة التاريخ ونردّ بحربِ وجودٍ على 7 جبهات ضد إيران وأذرعها»، يكون نتنياهو «أكد المؤكد» لجهة أنه يخوض حرباً يريدها «لمرة أخيرة» لاجتثاثِ ما تَعتبره تل بيب التهديد «الأخطبوطي»، وتالياً أن تَفاديه إشعالَ «برميل البارود» مع طهران هو في إطار «تعليقِ» صِدامٍ مريعٍ وإعلاء – أقله حتى «إشعار آخَر» وربما لِما بعد انقشاع الخيط الأبيض من الأسود حيال مَن سيدخل البيت الأبيض في ضوء نتائج انتخابات 5 نوفمبر – خيارَ محاولة «الفوز بالنقاط» وليس بالضربة القاضية، وذلك بمعزل عن واقعية هذا الاحتمال أم لا.
وإذ بدا استنئافُ المفاوضاتِ حول غزة في قطر من ضمن هذا المناخ «الانتظاري» لمرور الانتخابات الأميركية، استوقف أوساطاً سياسية كلامُ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن أنه «في الجنوب توقّفت حماس عن العمل كمنظومة عسكرية وفي الشمال حزب الله مازال يتكبّد الخسائر والحركة والحزب لم يعودا أداة فعّالة يمكن لإيران استخدامها ضدّنا»، معتبرة أن تل أبيب بدأت تَرْمي «الشِباك» لحصْدِ نتائج الأعمال العسكرية في غزة ولبنان على شكل تسويات وتفاهمات حول «اليوم التالي» تريدها بشروطها كاملةً وإلا تفعيل المزيد من جولات القتل والتدمير الشامل و«الربط بالنار» مع إيران نفسها وفق «رسالة» فجر 26 أكتوبر.
وهذا ما يفسّر، بحسب الأوساط، اعتمادَ طهران سياسة التراجع خطوة في ضوء الضربة، أقله أيضاً لتمرير 5 نوفمبر، ولكن مع دفْع «حزب الله» خطوة إلى الأمام على جبهة لبنان وكأنه «وكيلٌ» عن الجبهات السبع، بالتوازي مع انفلاشِ الغارات في شكلها المتوحّش نحو مناطق لم يسبق أن تم استهدافها (مثل حارة صيدا)، وتسبُّبها بعشراتِ الضحايا والجرحى في 24 ساعة لم تخرج معها الضاحية الجنوبية لبيروت من دائرة الاستهداف العنيف رغم استنساخ «حزب الله» للمرة الثانية إنذارات الإخلاء التي تعتمدها إسرائيل.
وجاء ارتفاعُ مستوى «التطاحن» أيضاً على وقع استئناف الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين مهمته في إسرائيل التي يفترض أن يكون حمل إليها خلاصات محادثات في بيروت التي سمع فيها إصراراً على تطبيق القرار 1701 «بلا زيادة أو نقصان» ونشر الجيش اللبناني معزَّزاً في الجنوب وعلى وقف نار يكون فسحة للبحث في الحل الدبلوماسي، في وقت بدا من الصعب التكهن بالخطوة التالية لإسرائيل في ضوء الخسائر الكبرى التي يتكبّدها جيشها في محاولة تعميق التوغل البري على الحدود مع لبنان بعدما أنجرّ إلى «ملعب حزب الله المفضّل»، وأتاح له «التقاطَ الأنفاس» والمعنويات.
وعلى وقع محاولة «حزب الله» الاستفادة من الضربات المتلاحقة للاحتلال براً عبر زيادة وتيرة استهدافاته الصاروخية، بهدف رفْع الضغط لوقف الغزو البري والسعي لتسييل إفشاله في أي تسويةٍ عبر إعادة التوازن ولو بالحد الأدنى إلى الميدان ومعادلات الردع، الموصولة حُكْماً أيضاً بـ «الجبهة الإيرانية» واحتمالاتها، فإن ثمة مَن لا يُسْقِط من الحساب أن يعمد نتنياهو إلى ترجمة التسريبات عن اقتراب إنهاء «المهمة» البرية بهدف وقْف الاستنزاف اليومي والاكتفاء بما يزعم أنه دمّره من بنى تحتية للحزب على الحافة الحدودية، على أن يتركَ الجنوب والضاحية والبقاع وكل منطقة يعتبر أن فيها «أهدافاً مشروعة» – وربما يوسّع بنك الأهداف – تحت رحمة الحديد والنار «رهينةً» لأي تَفاوُضٍ لن يكون بمفهومه إلا بشروطه الأمنية والعسكرية التي تشمل حتى ضبط الحدود مع سورية.
وفي وقت كانت مَشهديةُ تفجيرات كفركلا والعديسة الزلزالية بـ400 طن من المتفجرات زَعَمَ الإسرائيليون أنها لتدمير «منشأة استراتيجية تحت أرضية لحزب الله (نفق بطول أكثر من كيلومتر ونصف الكيلومتر) تجوب الإعلام وتثير حتى أسئلةً عن احتمال تسبُّبها بزلازل (لاسيما أن إسرائيل ولبنان والأردن وسورية تقع في منطقة زلازل طبيعية)، شهد الميدان تطوراتٍ متسارعة ولاهبة مدجّجة باحتمالاتِ تصعيد أكبر».
وإذ ترك تصويبُ الناطق الإسرائيلي أفيخاي أدرعي مجدداً على ما يسميه «ملجأ أموال وذهب حزب الله تحت مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية لبيروت» ناشراً فيديو للإعلاميين حول «المدخل» إليه (عبر سنتر الساحل في بيروت)، علاماتِ استفهام بإزاء إمكان استهداف المستشفى، وذلك غداة 8 غارات خلال ساعة شنّها الطيران الحربي على الضاحية منتصف ليل السبت – الأحد.
وكانت أبرز الغارات أمس، على بلدة البرج الشمالي، مدخل صور، وقد استهدفت مبنى مدرسة «الأونروا» حيث وقع 5 ضحايا، بعيد غارة على حارة صيدا أدّت إلى سقوط 8 أشخاص وجرْح 25، وسط تقارير عن أنها كانت تستهدف مسؤولاً أمنياً في الحزب (حسين فنيش).
كما استهدفت مسيّرة إسرائيليّة سيارة في بلدة حوش بردى غرب بعلبك ما أدى الى سقوط 3 أشخاص بينهم عسكري وإصابة اثنين، وكذلك قضى 3 في غارة على زوطر الشرقية (جنوباً) و5 في جديدة مرجعيون.
في المقابل، كثّف الحزب من عملياته ورشقاته التي أطلق في إحداها 75 صاروخاً دفعةً واحدة على الجليل.
وأعلن استهداف كريات شمونة ليل السبت، «في إطار التحذير الذي وجهته المقاومة لعِددٍ من مستوطنات الشمال»، وقصف «قاعدة زوفولون للصّناعات العسكريّة شمال حيفا بصلية صاروخيّة كبيرة»، و«بسرب من المٌسيّرات الانقضاضية منطقة بارليف الصناعية شرق عكا».