غيمة سامة ضخمة فوق بيروت: الحرب والحرائق والموت البطيء
ويشكو أهالي المدينة من الروائح الكريهة المُنتشرة في أحياء بيروت وأطرافها. رائحة احتراق مادة البلاستيك وإطارات السيارات والصواريخ، والمباني المُدمرة بكل ما فيها. هذه الروائح التي تسببت بحالات اختناق لعدد لا يُستهان به من المواطنين خلال مرورهم في منطقة الضاحية الجنوبيّة، وفي المناطق التي توسعت فيها رقعة الحرائق.
وسبق وأن حذرت وزارة البيئة من استخدام أي مصدر للنيران بالقرب من الأراضي الزراعية والغابات أو المناطق القريبة منها، في ظل وجود صعوبة في السيطرة على الحرائق في حال اندلاعها. وتتضاعف خطورة اندلاع الحرائق في هذه المرحلة، وذلك نتيجة الرطوبة المنخفضة وتغير مسار الهواء، فتتمدد الحرائق بسرعة أكبر، وتصبح مسألة السيطرة عليها صعبة جدًا.
“طبقة سامة”
ويشرح لـ”المدن” الدكتور جورج متري، مدير الرنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، أسباب ظهور هذه السُحابة السوداء. ويقول إنها ناتجة عن سببين فقط، الأول هو تمدد الحرائق في عدة مناطق، كالربوة، حمانا، الشوف، زغرتا، إهدن، عكار، وكذلك في بعض قرى جنوب لبنان (رميش مثالًا). أما السبب الثاني، فهو القصف الإسرائيلي اليوميّ على الضاحية الجنوبيّة، ما أدى إلى ظهور طبقة ضخمة سوداء اللون في سماء العاصمة بيروت.
وتمددت هذه السحابة خلال اليومين الماضيين، وساهمت عوامل الطقس المتقلب في هذا الأمر، فالمُلوثات لا تزال محصورة في مكان واحد فوق المدن الساحلية، وتم رصد هذه الطبقة من خلال صور الأقمار الصناعية التي أظهرت تراكم طبقة المُلوثات في الهواء، والتي يشكل استنشاقها خطورة كبيرة على الجهاز التنفسي للإنسان، لافتًا إلى أن وجود تحديات كبيرة خلال الفترة الحالية، لجهة صعوبة السيطرة على الحرائق بالتزامن مع تغير العوامل المناخية، خصوصًا أن فرق الدفاع المدني مُنشغلة حاليًا بمساعدة الضحايا جراء القصف الإسرائيلي، وبالتالي لن تتمكن من المساعدة بشكل مستمر في السيطرة على الحرائق.
أمراض خطيرة
والمؤكد اليوم، أن استنشاق الغازات السامة لفترات طويلة سيشكل خطرًا كبيرًا على صحة المواطنين. ويؤكد مدير قسم الكيمياء في جامعة القديس يوسف، الدكتور شربل عفيف، في حديثه لـ”المدن”، أن كبار السن والأطفال سيتضررون بشكل أساسي بسبب هذه الغازات، فهي تحتوي على مواد كيميائية سامة مثل المعادن الثقيلة، وتكونت من انفجار الصواريخ ومن غُبار المباني المهدمة والحرائق في مختلف المناطق. كما أنها تشكل خطرًا على المرضى الذين يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي، كأمراض الربو.
ويضيف عفيف، أن استنشاق هذه المواد يؤدي إلى ظهور عوارض متعددة ومنها: “ضيق في التنفس، أوجاع في الصدر، الاختناق”. مؤكدًا أن خطورة هذه المواد السامة تظهر على المدى البعيد، أي بعد استنشاقها بشكل يوميّ لفترات طويلة، ومن شأنها مضاعفة الإصابة بالأمراض السرطانية، داعيًا إلى توخي الحذر، والابتعاد عن المناطق المعرضة للقصف وتلك التي تنبعث منها الروائح الكريهة، وإغلاق نوافذ البيوت والسيارات، وتجنب المناطق التي تتعرض للحرائق.