أربعة دوامات للتعليم الرسمي: خطة “التربية” وصفة لـ”فتنة أهلية”

أربعة دوامات للتعليم الرسمي: خطة “التربية” وصفة لـ”فتنة أهلية”

الكاتب: وليد حسين | المصدر: المدن
25 تشرين الأول 2024
ينام أساتذة التعليم الرسمي على قرار ويستيقظون على قرار يناقضه. يتصل المدير بأساتذته طالباً منهم الالتحاق في أقرب مدرسة حيث نزحوا، ثم يعاود الاتصال في اليوم التالي يبلغهم عدم الالتحاق، وبأنه غير مسؤول عن أي مكروه قد يصيبهم خلال انتقالهم. هكذا وصف أحد الأساتذة لـ”المدن” حال الفوضى الحالية.
أربعة دوامات

آخر ابداعات الوزارة صدور كتاب من مديرية التعليم الابتدائي حول كيفية بدء التعليم وتنفيذ الخطة التربوية. يطلب الكتاب وضع خطة لتوزيع الطلاب والأساتذة على المدارس التي لم تُعتمد كمراكز إيواء. يتم توزيع التلامذة النازحين وغير النازحين في هذه المدارس في دوامين قبل الظهر وبعده. وحددت مدة الدراسة الأسبوعية بثلاثة أيام، مع اعتماد نظام المداورة مرتين بالأسبوع: تتعلم كل فئة من الطلاب لمدة ثلاثة أيام. أي أن المدرسة الواحدة ستعلم أربع مجموعات من الطلاب في أربعة دوامات. الكتاب يظهر مدى ارباك وزارة التربية في كيفية إطلاق العام الدراسي في الرابع من الشهر المقبل. ويكشف أن الوزارة وضعت خطة ليس لتعليم الطلاب بل لاستقطاب التمويل الدولي ليس أكثر، كما تؤكد مصادر نقابية لـ”المدن”.

تنتقد المصادر كيف تجول الوزارة بوفد يرأسه المدير العام، على المدارس الخاصة يوم أمس لمعاينة كيفية سير الدروس، فيما لم يكلف مسؤولاً واحداً نفسه ويذهب لمركز إيواء أو مدرسة رسمية لم تعتمد كمركز إيواء، لمعاينة الاستعدادات لإطلاق العام الدراسي يوم الإثنين في 4 تشرين الثاني.

وتقول المصادر أن خطة الوزارة هي وصفة جاهزة لخلق “فتنة” بين اللبنانيين. وتشرح “أن هذه الخطة تقوم على التعليم الحضوري في المدارس التي لم تعتمد كمراكز إيواء وعددها 310 مدارس موزعة بين البقاع وجبل لبنان والشمال وبيروت. وبغض النظر عما إذا كانت هذه المدارس صالحة أم لا، نظراً لتوسع الاعتداءات الإسرائيلية الأسبوع الأخير (مدرسة حلباوي في الأوزاعي ومدارس أخرى في البقاع) فإن أهالي المنطقة في المناطق الآمنة سيرفضون نقل أولادهم ليتعلموا في مدرسة بمنطقة أخرى، لم تستخدم كمركز إيواء. فعلى سبيل المثال، استخدمت في منطقة المتن العديد من المدارس كمراكز إيواء، ووفق خطة الوزارة بات أبناء بكفيا أو بتغرين أو المحيدثة ملزمين بالنزول ساحلاً إلى مدرسة ضبية لتعليم أولادهم. وثمة أصوات اعتراض ترتفع للأهالي لمطالبة الوزارة بإخلاء مدارس منطقتهم من النازحين. مما يتسبب بفتنة بين النازحين وأهالي المنطقة.

المطالبة بتأجيل العام الدراسي
على مستوى المنطقة الواحدة يستطيع الأهالي تدبر أمرهم مع المدارس الخاصة في منطقتهم لتعليم الطلاب فيها في فترة بعد الظهر، في حال تكفلت وزارة التربية دفع التكاليف التشغيلية والإشغال (الأمر بحاجة لتمويل دولي). لكن لا يمكن لمدرسة خاصة في منطقة أخرى قبول طلاب من منطقة ثانية، هذا إذا قبل الأهالي تعليم أولادهم في المنطقة الأخرى. بل سيطالبون الوزارة بإخلاء مدرستهم من النازحين، لعدم المخاطرة بأولادهم خلال الانتقال من منطقة إلى أخرى.

لا قدرة لوزارة التربية في ظل كل هذه المشاكل على استئناف الدراسة إلا في بضع مدارس. هكذا سيكون الوضع، يوم الإثنين المقبل، تقول المصادر، وتؤكد أن الوزارة لا تريد تعليم الطلاب، بل تريد تبرير بدء العام الدراسي ليس إلا. وقد طالب مديرو وممثلو الأساتذة بتأجيل العام الدراسي إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، أي بداية العام المقبل. لكن الوزير مصرّ على إطلاق العام الدراسي، حتى لو حضر عشر طلاب في كل لبنان.

خططت وزارة التربية للتعليم الحضوري، أي تعليم الطلاب النازحين وسكان المنطقة ليس في أماكن نزوحهم، بل في مدارس قريبة لم تعتمد كمراكز إيواء. وهذه الطروحات غير واقعية، سواء لناحية توفر مراكز لاستقبال كمّ كبير من الطلاب، أو لناحية اكتظاظ مراكز بالطلاب أو بالأساتذة الذين لا حاجة لهم لتعليم مواد معينة غير اختصاصهم. أو أيضاً لناحية بقاء مراكز أخرى شبه فارغة من الطلاب لعدم وجود نازحين. ففي بيروت حيث تستخدم غالبية المدارس كمراكز إيواء، وحيث يوجد الكم الأكبر من النازحين، لا يوجد إلا أربع مدارس صغيرة يمكن أن تستخدم للتعليم، بحسب اللائحة التي حصلت عليها “المدن”. وتبين أن غالبية المدارس التي خصصتها الوزارة موجودة في الشمال، فيما عدد النازحين هناك لا يقاس بمنطقة بيروت. كما خصصت الوزارة العديد من المدارس في البقاع لم تعد تصلح للخطة لأن المنطقة لم تعد آمنة، كحال بلدة القرعون.

التعليم من بعد ومشاكله
وتؤكد المصادر أن البعض طالب بالتعليم من بعد، الذي يعتبر أكثر سهولة. أي يصار إلى تسجيل المدرسة طلابها الأساسيين بمعزل عن نزوحهم، ويتعلمون من بعد مباشرة أو من خلال تحميل الدروس ومراجعتها من منصة المركز التربوي. وفي المدارس التي تعتبر في مناطق آمنة يصار إلى تعليم الطلاب حضورياً (ثمة خلافات حول هذه النقطة لأنها غير عادلة بين الطلاب). بهذه الطريقة لا تخسر المدرسة طلابها من ناحية، ولا تكتظ المدارس بطلاب وأساتذة من دون الوصول إلى العلم. لكن مشكلة هذه الطريقة، التي طالب بها مديرون وأساتذة، أن التعليم من بعد يعتمد على توفر الأجهزة الإلكترونية والكهرباء والانترنت. وفي حال توفرت للطلاب في مراكز الإيواء، الاكتظاظ يحول دون إمكانية متابعة الطلاب التعليم من بعد. فمراكز الإيواء تغص بالنازحين وفي العديد منها يفترش النازحون الملاعب، أي لا يوجد أي مكان لمتابعة الطلاب دروسهم من بعد مع أساتذتهم.

بموازاة تخبط وزارة التربية في وضع خطط من دون معرفة الوقائع على أرض الواقع، روابط المعلمين في التعليم الرسمي منقسمة على ذاتها حول إطلاق العام الدراسي. حزب الله، وبحدية أقل منه حركة أمل، يفضلان تأجيل العام الدراسي وعدم التحاق الأساتذة النازحين في المدارس التي ستعتمدها الوزارة. وثمة استبيان لرأي الأساتذة النازحين ستصدر نتيجته قريباً حول تأجيل العام الدراسي، وصوّت الجميع على التأجيل. أما باقي القوى السياسية فتريد بدء العام الدراسي وعدم ضياعه على الطلاب، على قاعدة تعليم جزء من الطلاب أفضل من عدم تعليم أي منهم. فالحرب على لبنان طويلة ويجب أن يتعلم من يجد إلى ذلك سبيلاً. لكن هذا لا يعني عدم وجود تمايز أو حتى خلافات داخل الحزب الواحد بين نقابيين وأساتذة يفضلون تأجيل العام الدراسي لعدم وجود قدرة لوجستية للتعليم، وبين من وضع نفسه بخدمة الوزارة لإطلاق العام الدراسي في 4 تشرين الثاني.