خاص- عندما يرسم الدبلوماسيون الخرائط العسكرية
على مسافة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، نجح البيت الأبيض وإدارته الديمقراطية في لجم اندفاعة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باتجاه إيران، وأقنعه مرغمًا بتوجيه “ضربة صوَرية” لها تحفظ ماء وجه اسرائيل بعد أسابيع من التهديدات والتحضيرات الهجومية والدفاعية.
بعد محاولتين سابقتين أجهضتهما واشنطن بإرغام إسرائيل على إعادة مقاتلاتها بعدما انطلقت لتوجيه ضربة لإيران، جاءت الثالثة ثابتة، ولكن في أعقاب تنسيق دقيق ومحدّد بين الجيشين الإسرائيلي والأميركي حتى تكون الضربة “مدوزنة” فتحفظ كرامة الجيش الاسرائيلي وهيبته من جهة ولا تشعل شرارة حرب مفتوحة في المنطقة لا تريدها الإدارة الأميركية في هذا التوقيت من جهة أخرى.
أما لماذا كانت الضربة صوّرية، فكل بساطة لم تستهدف المنشآت النووية الإيرانية أو البنية التحتية النفطية في البلاد، وهما الهدفان الأساسيان اللذان حددتهما الحكومة الإسرائيلية لضربتها، وهما فعلًا هدفان كفيلان بتوجيه ضربة قاسية لإيران عسكريًا واقتصاديًا على حد سواء.
وكما العادة خيّم التعتيم الإعلامي المتبع من الطرفين حول نتائج الضربات. وفيما يستمر تضارب الأنباء في طهران وتل أبيب، أفادت مصادر إسرائيلية بأن أكثر من 100 طائرة ومسيّرة شاركت في هذه الضربات غرب وجنوب غرب طهران، وطالت مواقع صواريخ باليستية وبطاريات دفاع جوية. كما لفتت إلى أن طائرات من طراز “أف 35 ” شاركت في الهجوم.
وبغض النظر عن أهداف الغارات ونتائجها، فقد أثبتت الوقائع، وبالأرقام، أن إسرائيل وحدها لن تكون قادرة على توجيه ضربة قاسية لإيران نظرًا لبعد المسافة بين البلدين ما يجبر الطائرات الإسرائيلية على التزود بالوقود في الجو، وهو أمر صعب للغاية إذا شارك في الغارات عدد أكبر من الطائرات. كما أن الأهداف الإيرانية الكثيرة والمنتشرة على مساحة جغرافية واسعة تتطلب مئات الطائرات ووسائل هجومية أخرى لإنجاز عملية ناجحة بالمقياس العسكري، بشكل يشل قدرة إيران على الرد على إسرائيل أو دول أخرى في المنطقة.
انطلاقًا من ذلك، وبعد اقتناع نتنياهو بعدم قدرته على إقناع واشنطن بالمشاركة في الهجوم، وجد نفسه مضطرًا للموافقة على توجيه ضربة محدودة رسمها له البيت الأبيض الذي سارع الى مطالبة طهران بعدم الرد حتى لا تستدعي ردًا إسرائيليًا جديدًا.
هكذا تكون النتائج عندما يرسم الدبلوماسيون الخرائط العسكرية. إلا أن العملية الإسرائيلية الكبرى ستكون على واشنطن وليس على طهران، لأن الصواريخ الإسرائيلية التي أُطلقت على طهران ستصيب بالتأكيد البيت الأبيض في الرابع من تشرين الثاني المقبل، بعدما اقتنعت الدولة العبرية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أن الحزب الجمهوري ومرشحه الرئاسي دونالد ترامب سيكون حليفًا شرسًا لإسرائيل في مواجهة أعدائها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها.