“جلجلة” الأساتذة على طريق التربية: التعليم تحت القصف
الانتقال بين المناطق الآمنة وغير الآمنة
المعاناة التي يعيشها الأساتذة النازحون لا تدخل في حسابات وزارة التربية. آلاف الأساتذة مشرّدون في مختلف المناطق اللبنانية، والمئات منهم نزحوا مرتين. نزحوا أول مرة منذ أكثر من عام، إلى النبطية وصور وبيروت، جراء القصف الذي تعرّضت له المناطق الحدودية بعد اندلاع الحرب على غزة، ونزحوا مرة ثانية بعد توسيع إسرائيل نطاق اعتداءاتها وتهجير سكان الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. جزء كبير من هؤلاء الأساتذة باتوا نازحين في مراكز إيواء والجزء الآخر لجأ إلى أقاربه وأصدقائه. ومن لم يحالفه الحظ اضطر إلى استئجار منزل مع عائلات أخرى، نظراً لارتفاع ايجار الشقق، جراء استغلال أصحاب البيوت الحرب والحاجة إلى السكن.
وزارة التربية غير معنية بهذه المعاناة التي يعيشها النازحون تقول مصادر نقابية لـ”المدن”. وهي غير معنية كيف سيتدبر كل أساتذة التعليم الرسمي أمرهم لتنفيذ ما يسمى خطة التربية. تريد من الأساتذة الالتحاق بالمدارس التي ستعتمد لتعليم الطلاب، بمعزل إذا كانوا نازحين وأوضاعهم مزرية، وبمعزل عن كيف سينتقل الأستاذ من منطقة إلى أخرى للالتحاق. وضعت الوزارة الخطة من دون أي مراجعة للواقع، ومن دون طرح أي علامة استفهام كيف سينتقل الأستاذ النازح وغير النازح مثلاً من ساحل البترون إلى جرده (مدارس الساحل تحولت لمراكز إيواء) أو مثلاً من أعالي المتن إلى ساحله (مدارس أعالي المتن تحولت لمراكز إيواء). والطلاب حالهم كحال الأساتذة في هذا الانتقال بين المناطق طلباً للعلم!
ويلفت أساتذة لـ”المدن” إلى أن الانتقال في هذه المناطق المصنفة “آمنة” أمر بسيط. سيدفع ثمنه الأستاذ مشقة الطرق والمال لتأمين المواصلات. لكن المصيبة تكمن في الانتقال في مناطق مثل البقاع. هناك على الأستاذ، الذي ما زال صامداً في بيته في دورس أو بدنايل أو بريتال أو طلية (رفضاً لعيشة الذل في مراكز الإيواء)، الانتقال يومياً إلى المدارس التي ستفتح أبوابها للتعليم في مناطق مثل سعدنايل وزحلة. وعلى الأستاذ الذي ما زال في الهرمل الانتقال إلى مناطق رأس بعبلك أو القاع أو عرسال المصنفة بعرف الوزارة “آمنة”. أي على الأستاذ الانتقال من المناطق المصنفة غير آمنة للوصول إلى المنطقة الآمنة والسير على طريق محفوفة بالمخاطر.
تضحيات بلا مقابل
كل هذه الهواجس التي يطرحها الأساتذة والمديرون أتت نتيجة الخطة التي لم تتجرأ وزارة التربية على نشرها رسمياً بعد. بل ما زالت “سرّية” وترفض الوزارة نقاشها مع ممثلي الأساتذة. وهي سرية مثلها مثل بدلات الاتعاب التي سيتلقاها الأساتذة ولجان مراكز الإيواء (مدير المدرسة والناظر وعامل المكننة والحارس). بما يتعلق ببدلات اتعاب الأساتذة لم تقدم الوزارة على أي خطوة لرفعها من 300 دولار شهرياً إلى 600 دولار كما طالبت روابط المعلمين. وبما يتعلق ببدلات اتعاب لجان مراكز الإيواء ثمة أحاديث عن أنها ستكون بقيمة خمسة دولارات باليوم.
تريد الوزارة من الأساتذة التضحية بمالهم في المناطق الآمنة وبحياتهم أيضاً في المناطق غير الآمنة لتنفيذ الخطة، ومن دون أي مقابل مادي، ومن دون الالتفات إلى معاناة الاف الأساتذة النازحين. تريد منهم التضحية فيما القرارات التعسفية بحرمان العديد من الأستاذة من بدلات الإنتاجية ومن رواتبهم ما زال حبرها لم يجف بعد، كما يقول الأساتذة. ففي التعليم الأساسي حرم عشرات الأساتذة من بدل إنتاجية (300 دولار) عن ثلاثة أشهر هي تموز وآب وأيلول. والسبب أنهم لم يشاركوا في الامتحانات الرسمية، هذا رغم أن المشاركة غير إلزامية. وفي التعليم الثانوي ما زال العشرات من الأساتذة الذي امتنعوا عن التعليم قبل سنتين احتجاجاً على تدني قيمة رواتبهم، ليس من دون بدلات إنتاجية، بل محرومون من الراتب، رغم أن هؤلاء الأساتذة عادوا والتحقوا بالتعليم في نهاية العام الدراسي الفائت.
ويشرح الأساتذة أن الوزارة أصدرت قرارات كيدية كان هدفها إذلال الأستاذ لعدم التفكير بالإقدام على تنفيذ إضراب لتحسين ظروف عيشه. وما زال الأساتذة الذين امتنعوا عن التعليم بلا بدلات الإنتاجية منذ أكثر من ثمانية أشهر. والأمر لا يقتصر على بدلات الإنتاجية بل إن بعض الأساتذة الممتنعين حرموا من راتبهم بشكل كامل، والبعض الآخر حرم من تلقي الرواتب الأربعة. أي أنهم يتلقون فقط ثلاثة رواتب من أصل سبعة بالشهر، محددة للقطاع العام، على اعتبار أن الرواتب الأربعة المتبقية مرتبطة بالإنتاجية. فهم كانوا يحتجّون على واقعهم بالحضور إلى العمل والامتناع عن التعليم، وذلك إلى حين تحقيق مطالبهم بتلقي رواتب تمكنهم من العيش بكرامة.
يقول الأساتذة أن العديد من هؤلاء الأساتذة الممتنعين استشهدوا جراء الغارات الإسرائيلية أو تهجروا ونزحوا من بيوتهم. وهم اليوم يعيشون إما في مراكز الإيواء أو في بيوت زملائهم. ولم تلتفت إليهم وزارة التربية بعين الرحمة والشفقة، بل تريد منهم أن يتجنّدوا لتنفيذ خطة التربية.