خاص- أفكار لإنزال الحزب عن الشجرة
كلّما طالت حرب غزّة، واستمر “حزب الله” في ربط أيّ مفاوضات حول الجنوب بمآل التطورات في القطاع، تُمعن إسرائيل أكثر فأكثر في تنفيذ خطّتها لليوم التالي في لبنان من جانب واحد، من دون أن يتمكّن الحزب من منعها حتى الآن.
على أرض المعركة، تواصل تل أبيب استهداف القادة والعناصر في الحزب في شكل شبه يومي. كما أن القصف الإسرائيلي أدّى إلى إخلاء العديد من القرى الحدودية، كما هو الوضع في المستوطنات الإسرائيلية الشمالية. ونُشرت معلومات في الأيام الماضية عن أنّ القوات الإسرائيلية باتت تتبع خطّة لتدمير المنازل في القرى الحدودية، بحيث يصعب على السكان العودة إلى أرض بلا بيوت. وهذا المخطط الذي يُنفّذ تدريجاً، من شأنه أن يهيئ لإقامة شريط حدودي أمني من جديد، على غرار ما كان قائماً قبل تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000.
ويترافق ذلك مع حديث في الإعلام الأميركي عن أنّ إسرائيل تستعدّ لتوغّل برّي في لبنان في الربيع أو الصيف. وبمعزل عن كون هذه الأخبار مجرد ضغوط نفسية أو واقعاً جدّياً يجري بحثه، فإنّ إسرائيل قرّرت من جانبها فصل المسار في غزّة عن المسار في لبنان. وبعثت بهذه الرسالة الصريحة عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي زار بيروت لساعات الإثنين، آتياً من إسرائيل. وكان واضحاً حين قال إنّ الهدنة في غزّة لا تعني هدنة في لبنان. وحذّر من أنه لا يوجد شيء اسمه حرب محدودة.
ويعتقد بنيامين نتنياهو أنّ أمامه فرصة اليوم للتوصل إلى إتفاق مع لبنان يحفظ أمن المناطق الحدودية. وفي حال رفض الجانب اللبناني الحلّ الدبلوماسي، فهو مستعدّ لتحقيق غايته عبر الطرق العسكرية، كما يهدّد منذ فترة. ويبدو أنّ نتنياهو يعتبر أنّه سجّل “انتصاراً” من خلال الغزو البرّي للقطاع والتهديد بالدخول إلى رفح، آخر معاقل “حماس“، وآخر بقعة أرض في غزة يمكن للفلسطينيين العيش فيها حتى الآن. وبناء على ذلك، فهو يقدّر أنه بات في إمكان جيشه خوض حرب مع لبنان بعد أربعة أشهر كان مشغولاً فيها بالحرب على غزّة.
ولكن، ماذا عن الحزب؟ هل يقف مكتوفاً أم يقبل بخوض مفاوضات عبر الوسيط الأميركي الذي كان عرّاب الترسيم البحري وفتح الباب أمام استخراج الغاز المحتمل؟
ثمّة من يرى أنّ الحزب الذي كان منفتحاً في الأساس على الأفكار التي حملها هوكشتاين في السابق، والتي تشمل ترسيماً للحدود البريّة، في مقابل إجراءات أمنية تحفظ أمن شمال إسرائيل، لم يتخلَّ اليوم عن هذا الانفتاح. والأصداء التي وصلت إلى هوكشتاين هي أن التفاوض يصبح ممكناً إذا اتُفق على هدنة في غزّة خلال شهر رمضان.
ولكن الحزب، الحريص على توازن دقيق في العمليات العسكرية ضد إسرائيل تحاشياً لانفجار حرب واسعة لا يريدها وليست في مصلحة إيران، في حاجة إلى مخارج للنزول عن الشجرة التي صعد إليها عندما ربط مصير الوضع اللبناني بمصير غزّة.
ويلخص مصدر مواكب لزيارة هوكشتاين الأخيرة لبيروت الرسائل التي يحملها الموفد الأميركي بالتالي:
– في إمكان الحزب الإفادة من الهدنة في غزّة إذا ما أُقرّت لفتح الباب أمام المفاوضات. ويمكن لتوقف المعارك في غزّة أن يؤمّن مخرجاً يتوافق مع وجهة نظر الحزب القائلة إن لا حديث في أي حل قبل توقف الآلة العسكرية. وقد تفي الهدنة بالغرض كبديل عن وقف النار الشامل الذي ترفضه إسرائيل رفضاً باتّاً.
– يقدم المبعوث الأميركي مقابلاً للانسحاب من جنوب الليطاني وسحب السلاح، هو ترسيم للحدود البرية وفق المفهوم اللبناني. وهذا سيعتبره الحزب “انتصارا” عبر تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهي الفرصة التي كان قد أشار إليها الأمين العام حسن نصر الله في وقت سابق.
– هناك إغراءات اقتصادية يجري الحديث عنها، مثل تخفيف الولايات المتحدة قيودها في وجه المساعدات للبنان، كما التلويح بالعودة إلى التنقيب عن الغاز، وما يمكن أن يجنيه لبنان من ثروات في هذا المجال.
– في المقابل، أوصل هوكشتاين رسائل معاكسة، من خلال لقائه للمرة الأولى منذ جولته في لبنان وفدا من نواب المعارضة ضم ممثلين عن حزبي القوات والكتائب والنائب ميشال معوض. وهذا يعني أن واشنطن تتفهم جيداّ مواقف هذا الفريق الرافض لتوريط لبنان في الحرب، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار مواقف “التيار الوطني الحر” الأخيرة من وحدة الساحات.
يقول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في آخر تصريح له إن الحكومة الإسرائيلية “تقترب من نقطة حرجة في اتخاذ قرار في شأن الأنشطة الحربية حيال لبنان“. فهل التهديدات الإسرائيلية أصبحت أكثر جدية بعد زيارة هوكشتاين الذي حمل إلى لبنان التحذير الأخير؟