خاص- لغز الضربة الإسرائيلية لإيران
منذ أكثر من أسبوعين، تترقّب المنطقة الضربة الإسرائيلية المنتظرة لإيران، والتي ما زال توقيتها وحجمها مجهولين. إذ على تداعياتها يتوقّف مصير اندلاع حرب إقليميّة واسعة، أو إبقاء التصعيد محصوراً بين لبنان وإسرائيل وغزّة. ويحيط غموض كبير بهذا الردّ الذي أكّدت تلّ أبيب أنّه سيحصل، ولكنّها أبقت زمانه وشكله سرّيين، حتّى على الحليف الأكبر، والداعم الأوّل بالسلاح، أي الولايات المتّحدة.
فالضربة الإسرائيلية لن تكون مجرّد عمليّة لردّ الاعتبار، أو حفظ ماء الوجه، بعد الهجوم الصاروخي الثاني الذي نفّذته طهران بداية الشهر الحاليّ. فإسرائيل لا تعمل بهذه الطريقة، كما يتبيّن من كلّ العمليّات التي نفّذتها. فهي تحدّد هدفاً لكلّ ضربة تريد توجيهها، وتسعى لإصابة هذا الهدف، سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو استراتيجيّاً. فالضربات التي نفّذتها في إيران وسوريا مثلاً، استهدفت شخصيات مثل اسماعيل هنيّة، او مراكز لتصنيع الأسلحة مثل الهجوم على مصياف. و حتّى قبل الحرب، كانت تستهدف مراكز أبحاث في إيران لها علاقة بالبرنامج النووي، أو تعمل لقطع طرق الإمداد بالسلاح عبر سوريا إلى الحزب.
لذلك، فإنّ الضربة الإسرائيلية المتوقّعة لإيران، سيكون لها هدف محدّد. وهذا الهدف يمكن أن يتراوح بين توجيه رسالة، أو ضرب منشآت استراتيجية وربّما نووية، وصولاً إلى الدفع في اتجاه تهديد النظام في حدّ ذاته. ولكن، يمكن استشفاف بعض الخطوط العريضة من خلال التصريحات الإسرائيليّة، والنصائح الأميركيّة، والاستراتيجيّة الجديدة التي تتّبعها الحكومة الإسرائيليّة في حربها الحاليّة، والتي تختلف عن سابقاتها، بأنّها تذهب إلى الآخِر في الأهداف التي تسعى إليها.
ولكن، هل الاستراتيجية الإسرائيلية المطبّقة على غزّة أو على لبنان، تنسحب أيضاً على إيران؟
لقد صادق نتنياهو قبل يومين على ضرب سلسلة أهداف في إيران، لم تُعرف ماهيّتها. لكن الرئيس الأميركي جو بايدن، كان قد حذّره من استهداف منشآت نوويّة، كما نصحه بعدم ضرب قطاع النفط. إلّا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية كان قد صرّح بأنّه يراعي المطالب الأميركية، لكنّه سيعمل في النهاية وفقاً لمصلحة بلاده.
وبناء على ذلك، من المؤكّد أن الضربة ستشمل مراكز عسكريّة، ولكن ليس ثابتاً ما إذا كانت ستتحاشى المصافي النفطية، كما ليس مستبعداً إلى هذا الحدّ أن تستهدف منشآت نوويّة. فالسياسة التي اتّبعها نتنياهو في كلّ من لبنان وغزّة، كانت الإصغاء إلى ما تريده الإدارة الأميركية، ثم تنفيذ ما يراه هو مناسباً، وتباعاً جرّ الأميركيين إلى أمر واقع فرضه عليهم. ونتنياهو مطمئن، لأنّه يعرف أن الولايات المتّحدة ستبقى تدعمه وتزوّده بالسلاح الأكثر تطوّراً، في كلّ الظروف.
ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل لم تدرس جيّداً خياراتها، ولم تحسب الحسابات لردود الفعل الممكنة، في حال قامت باستهداف منشآت نووية أو مراكز حكومية إيرانية. ومن هنا، ثمّة سيناريو يرجّح أن تكون الضربة متدحرجة، على غرار ما جرى عندما شُنّت الحرب على لبنان. وقد تبدأ العملية بضرب مواقع عسكرية، ثمّ يتمّ رفع مستوى الاستهدافات، تبعاً للتداعيات التي ستحصل. وقد تأتي على شكل سلسلة من الهجمات المتقطّعة، وتُستعمل فيها على مراحل الصواريخ والطائرات والمسّيرات، وقد يتمّ اللجوء أيضاً إلى الهجمات السيبرانية والاغتيالات.
فالحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران غير ممكنة عمليّاً بالمفهوم التقليدي، نظراً إلى بُعد المسافة الجغرافية، وصعوبة تحرّك منظومة الطائرات الحربية، بحيث سيكون هناك حاجة إلى استعمال قواعد قريبة. وليس هناك أيضاً تكافؤ في القوّة العسكرية والتكنولوجية بين البلدين. لذا، فإنّ شكل الحرب قد يكون مختلفاً وطويل الأمد.
ولكن، يبدو أن لدى إسرائيل نيّة لاستدراج مساعدة عسكرية أميركية. وقد بدأ ذلك على الصعيد الدفاعي. إذ أرسلت واشنطن منظومة صواريخ “ثاد” المتطوّرة المضادّة للصواريخ البالستية. أمّا انتقال الولايات المتّحدة إلى المرحلة الهجومية، فهو أمر مستبعد في الوقت الراهن، كما تفيد تقارير إعلامية أميركية نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون.
قد يكون هدف إسرائيل من توجيه ضربة “فتّاكة” إلى إيران، كما وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، هو جعل طهران تمتنع عن دعم وكلائها، وعلى رأسهم “حزب الله”، ودفعها إلى الانكفاء نحو الداخل و التخلّي عن مشروعها التوسّعي. ولكن ثمّة وجهة نظر مغايرة في إسرائيل، تقول إنّ إيران ستظلّ تراوغ ولن تتوقّف عن نشر مشروعها الإقليمي، ولو بعد حين، وإنّ الحلّ المضمون لا يكون إلّا بإطاحة النظام . وهذا لا يمكن أن يتحقّق من دون دعم أميركي كامل.