الأيام المقبلة ستكون من الأصعب في تاريخ الشرق الأوسط الحديث

الأيام المقبلة ستكون من الأصعب في تاريخ الشرق الأوسط الحديث

الكاتب: إيليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
18 تشرين الأول 2024
– هدف إسرائيل هو احتلال نقاط إستراتيجية حيوية في جنوب لبنان
– الحزب يحتفظ بميزة تكتيكية لجهة معرفته بالتضاريس المحلية وتكتيكات حرب العصابات
– دعم إيران لـ «حزب الله» ليس مسألة اختيار… بل هو واجب لها وعليها

استهدفت إسرائيل أنظمةَ الاتصالات والقدرات الصاروخية الإستراتيجية لـ «حزب الله»، وقتلتْ أمينَه العام السيد حسن نصرالله وعدداً كبيراً من قادة المجلس الجهادي الذين أشرفوا على الوحدات العسكرية كافة.

ورغم أن هذه الضربة كبيرة، لكنها لم تكن حاسمة بالقدر الكافي لتحديد نتيجة الغزو البري الذي تم اتخاذ القرار ببدئه بناء على نتائجها المفترضة، وهذا كان خطأ استراتيجياً، إذ قللت إسرائيل من تقدير الدور العملياتي المتميّز والقدرة على الصمود التي تتمتع بها القوات العسكرية والوحدات الخاصة للحزب في جنوب لبنان ووحدات وادي البقاع.

علماً أنه لو واجهت أي منظّمة عسكرية أخرى، أكانت تابعة لدولة أو لا، مثل هذا التخريب الشامل، واغتيال قياداتها العليا، وحملة جوية لا هوادة فيها تهدف إلى تدمير العديد من مستودعات الأسلحة السطحية لديها، لربما انزلقتْ إلى فوضى مطوّلة.

إلا أن هذه القوات، التي التزمتْ التزاماً عميقاً بالدفاع عن الشعب الفلسطيني وجنوب لبنان ووادي البقاع، ظلت بعيدة كل البعد عن الانهيار ولم تتكبّد سوى القليل من الأضرار.

ومنذ أكثر من أسبوعين، تخوض إسرائيل، بدعم من قواتها الجوية ومدفعيتها ومسيراتها، معارك ضدّ خط التأمين الأول من قوات «حزب الله» الخاصة.

وكانت القوات الإسرائيلية تتقدم ببطء داخل الأراضي اللبنانية، لكنها لم تواجه بعد خط الدفاع الرئيسي للحزب في ما يُعرف بالحافة الأمامية، حيث يتمركز الجزء الأكبر من وحداته.

وتكمن قوة الحزب في التنظيم الإستراتيجي لمقاتليه، والذي يتّسم بتقسيم المسؤوليات المناطقية، ما يسمح للوحدات العسكرية بالعمل في شكل مستقل عن مركز القيادة والسيطرة المركزي في بيروت.

وظلت القيادة الجنوبية، التي تدير الحربَ ضد الغزو الإسرائيلي، سليمة تماماً ولم تتضرر من الضربات. وقد انتقل المخططون الرئيسيون من مراكز القيادة المركزية والفرعية كإجراء احترازي بعد الموجة الأولى من الضربات الجوية، ما ضَمَنَ استمرار عمل البنية العسكرية للحزب اثناء الاجتياح.

ورغم أن الضرباتِ كانت على الأرجح تستندُ إلى معلومات استخباراتية حول مواقع مكاتب «حزب الله» ومستودعات الأسلحة، إلا أن قدرات الحزب، ولو كانت غير متكافئة مع عدو يتمتع بدعمِ أعظم دولة في العالم (أميركا) سمحتْ له بإعادة تجميع صفوفه بسرعة.

وقد أتاح هذا الأمر لمجلس شورى حزب الله، تعيين مجلس الجهاد العسكري الجديد وإعادة الاتصال بمراكز القيادة الجنوبية التي تدير المعركة الجارية. وقد ضمنت هذه المرونة التنظيمية بقاءَ قيادة الحزب وإطاره العملياتي على حالهما، ما سمح له بمواصلة القتال بفعالية.

ظهور قاسم

وفي أوّل ظهورٍ للشيخ نعيم قاسم منذ الأحداث الأخيرة، بدا نائب الأمين العام للحزب يتصبّب عرقاً بشكل واضح، ويبدو أنه كان لايزال تحت صدمة الواقع الجديد.

وكانت رسالته إلى الشعب اللبناني، لاسيما أنصار «حزب الله»، واضحة: فعلى الرغم من دوره في الإشراف على وزراء الحزب وأعضائه البرلمانيين بدل المؤسسة العسكرية، إلا أن بعض أشكال القيادة ظلّت على حالها، وهو يتحدث الآن نيابة عنهم.

وكانت الصدمةُ مفهومة، نظراً للظروف. فقد عانى الحزب للتو من تخريب نظام اتصالاته، ما أسفر عن سقوط أكثر من 3000 ضحية.

بالإضافة إلى ذلك، شهد فترة أسبوعين ثقيلة من تدمير مستودعات الذخيرة واغتيال قادة رئيسيين، بما في ذلك السيد نصرالله نفسه.

وفي إطلالته الثانية، بدا الشيخ قاسم وكأنه استعاد رباطة جأشه، ما عكس بدء تعافي «حزب الله» السياسي بعد تعيين قيادة جديدة.

وفي الوقت نفسه، كانت إسرائيل تستعد لغزو لبنان بأربع فرق. وكانت نبرة قاسم أكثر حزماً.

وبعد وقت قصير من خطابه، أطلق الحزب وابلاً من الصواريخ الانتقامية مستهدفاً إسرائيل، لاسيما مدينة حيفا.

وقد أشار هذا إلى تصميم الحزب على مواصلة مقاومته، وأظهر أن وحداته أيّدت بشكل كامل تمثيل الشيخ قاسم للمجموعة، ليَدخل الصراع مع إسرائيل مرحلة جديدة.

وفي ظهوره الثالث، بدا الشيخ قاسم مسيطراً على الموقف ومفعَماً بالثقة. وهو تحدث من مكان هادئ ومجهّز جيداً على الرغم من درجة الحرارة البالغة 28 درجة في بيروت.

وبهدوء وثبات، قدّم موقف الحزب باعتباره موقفاً قوياً، تماماً كما فعل سلفه السيد نصرالله في الحروب السابقة.

وبجانبه العلم اللبناني وعلم «حزب الله»، ناقش قاسم التطورات الأخيرة، بما في ذلك الهجوم على قافلة إنسانية. وقد عكس خطابه العملية الإعلامية المنظّمة للحزب، والتي تعتني بمظهر وجودة صورته الإعلامية.

وتؤشر هذه المظاهر الثلاثة انتقال الحزب عبر مراحل مختلفة إلى التعافي، حيث استعاد في نهاية المطاف قدراته الرادعة وأبْرَزَ استعداده لصراع طويل الأمد مع إسرائيل.

وحشية إسرائيل وحشدها العسكري

لا شك في النهج العدواني الذي تنتهجه إسرائيل في التعامل مع هذا الصراع. وقد أصبح القصف المتواصل وهدم المنازل الذي استمر في غزة لأكثر من عام أكثر من مجرد هدم الآن.

وتنعكس هذه التطورات في جنوب لبنان. فإسرائيل لديها حالياً خمس فرق (بعد دخول فرقة الجولان إلى تشكيل المعركة) منتشرة على طول حدودها الممتدة على مسافة 120 كيلومتراً مع لبنان، والتي تمتدّ من مرتفعات الجولان إلى الناقورة:

– الفرقة 210: فرقة مرتفعات الجولان.

– الفرقة 91: المظليون والقوات الخاصة الذين خاضوا قتالاً مباشراً مع الحزب لمدة أسبوعين. وقد نجحوا في الاستيلاء على مواقع مرتفعة عدة استعداداً لوصول الدبابات. وتنتشر هذه القوات في كفركلا والعديسة.

– الفرقة 98: الفرقة المدرعة المتمركزة مقابل حولا وعيترون ومارون الراس.

– الفرقة المدرعة 36: المتمركزة مقابل يارون وبنت جبيل.

– الفرقة المدرعة الاحتياطية 146: المتمركزة مقابل زرعيت واللبونة والناقورة.

ويؤكد هذا التموضع الإستراتيجي على الجهود المستمرة التي تبذلها إسرائيل للسيطرة على المناطق والمرتفعات في إطار استعدادها لمزيد من التقدم العسكري.

و«حزب الله» منظمة فاعلة غير حكومية تضم ما بين 8000 و12000 مقاتل من الوحدات خاصة ووحدات صاروخية مختلفة.

وإضافة إلى ذلك، فإن مشاةَ الحزب، المكونة من رجال يعيشون في قراهم (وحدات المناطق)، مسؤولون عن إطلاق الصواريخ ونصْب الكمائن والاشتباك مع العدو أثناء تقدمه.

وعلى الرغم من مقاتلة أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، بأكثر من 80 ألف جندي ونحو 1000 دبابة، بدعمٍ من طائرات من دون طيار وقوة جوية وبحرية، فإن الحزب يحتفظ بميزة تكتيكية لجهة معرفته بالتضاريس المحلية وتكتيكات حرب العصابات.

الخلل بين القوتين واضح… حزب الله، الذي يدافع عن وطنه، وجيشٌ غازٍ بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وكلاهما متهَم بارتكاب جرائم حرب من المحكمة الجنائية الدولية.

جرائم الحرب والمقاومة

لقد تمت إدانة ممارسات الجيش في غزة وخارجها على نطاق واسع. وتُظهِر مقاطع الفيديو التي جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي الجيشَ الإسرائيلي وهو يرتكب فظائع، بما في ذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وفي إحدى الحالات السيئة السمعة، تم تصوير حارس سجن وهو يعتدي على سجين فلسطيني، وقد أشاد به لاحقاً التلفزيون الإسرائيلي علناً.

وعلى هذه الخلفية، يظل حزب الله صامداً. فالهزيمة ليست خياراً، وقد أُمرت القوات الخاصة للجماعة بالاحتفاظ بمواقعها ومنْع إسرائيل من تحقيق أهدافها.

ولا تقوم إستراتيجية حزب الله على هزيمة إسرائيل بشكل مباشر ولكن على ضمان عدم قدرة جيشها على الحفاظ على السيطرة على أي أرض مرتفعة إستراتيجية من دون مضايقات مستمرة.

وفي الوقت نفسه، تواصل وحدات المدفعية والصواريخ التابعة للحزب قصف المدن والقرى الإسرائيلية، ما يوجِد أزمة لاجئين تقوّض بشكل مباشر وعود نتنياهو بإعادة الإسرائيليين النازحين إلى ديارهم.

السيناريوهات المحتملة للغزو

بالنسبة للجيش الإسرائيلي، تظلّ الأهداف سائلة.

ومع قوة أكثر أهمية وأكثر تقدماً بكثير من تلك التي غزت لبنان في 1982، فإن هدف إسرائيل هو احتلال نقاط إستراتيجية حيوية في جنوب لبنان، حتى في مواجهة مقاومة حزب الله الكبيرة.

ومن هذه المواقع المرتفعة، قد تسعى إسرائيل إلى التفاوض على قرار جديد لمجلس الأمن يختلف عن القرار الحالي رقم 1701.

ولكن لنفترض أن حزب الله نجح في إلحاق أضرار جسيمة بالمواقع الإسرائيلية الثابتة في جنوب لبنان بينما شن هجمات خلف خطوط العدو. وفي هذه الحالة، قد تكثف إسرائيل قصفها للتفاوض من موقع قوة قبل الانسحاب.

في البداية، من المرجح أن تُكافح إسرائيل لاحتلال أول 500 متر مربع ـ من شريط يبلغ عرضه خمسة كيلومترات وطوله 100 كيلومتر.

ومن المرجح أن تظل هذه المنطقة، التي تشكّل أهمية بالغة بالنسبة للإستراتيجية العملياتية، عُرضة لهجمات مضادة من جانب حزب الله.

وإذا فشلت إسرائيل في تأمين هذه المنطقة، فقد تضطر إلى التوغل شمالاً، إلى ما وراء نهر الليطاني، لمواصلة غزوها أو الدفع نحو المفاوضات.

ومن العوامل الرئيسية التي تؤثر على الجانبين أزمة اللاجئين المتنامية. إذ يواجه أكثر من مليون و400 الف لبناني نزحوا بسبب الصراع الآن تحديات الشتاء الوشيك.

لكن حزب الله تعهّد بإعادة بناء المنازل التي دُمرت أثناء الغزو، ومن المتوقّع أن تقدّم إيران الدعم المالي اللازم لإعادة الإعمار.

في غضون ذلك، يواجه نتنياهو ضغوطاً محلية. فإذا استمر الحزب في المقاومة وإطلاق الصواريخ على حيفا، فسيضطر المزيد من الإسرائيليين إلى النزوح، الأمر الذي يزيد من الضغوط على حكومته.

وقد جَعَلَ الحزب من حيفا هدفاً يومياً، ومن المرجّح أن تسفر إستراتيجيته بتعطيل الجبهة الداخلية لإسرائيل عن نتائج إستراتيجية مهمة بعد أسابيع عدة من القتال المستمرّ، والتي من المتوقّع أن تكافح خلالها إسرائيل في محاولاتها لتفكيك المقاومة.

وإذا تمكنت القوات الإسرائيلية من اختراق دفاعات «حزب الله»، فيمكنها التقدم شمال نهر الليطاني وتطويق وحدات الحزب.

ومن هناك، يمكنها أن تهدف إلى قطع خطوط إمداد الحزب من سورية والتقدم نحو مواقع حيوية مثل صيدا. ومع ذلك، توقّع الحزب مثل هذه التحركات وهو يستعدّ لإلحاق خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية مع تقدمها.

في موازاة ذلك، مازال تورط إيران في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يُشكّل تهديداً خطيراً. فطهران ترى في دعمها للحزب التزاماً دينياً وضرورة وجودية لعلاقتها العضوية به.

كما تعتبر إيران الموقفَ فرصةً لجرّ إسرائيل إلى مواجهة أوسع نطاقاً. وسيقابَل أي هجوم إسرائيلي على الأراضي الإيرانية بردّ غير متناسب، كما أظهرت طهران بإطلاق 200 صاروخ فرط صوتي على البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية رداً على استفزازات سابقة.

ورغم أن نتنياهو هدّد بالرد على إيران، فإن طهران مستعدّة جيداً لمثل هذا التصعيد. ومن المرجح أن تستهدف الأصول العسكرية المتورّطة بشكل مباشر في غزو لبنان، ما يضمن استمرار حزب الله في تلقي الدعم الذي يحتاجه للحفاظ على مقاومته.

وفي نهاية المطاف، فإن دعم إيران للحزب ليس مسألة اختيار – بل هو واجب لها وعليها.

ومع تعمُّق الصراع، تواجه المنطقة مستقبلاً غير مؤكَّد على نحو متزايد، مع إمكان التصعيد السريع في ضوء تخلي الجانبين عن قواعد الاشتباك الراسخة. وستكون الأيام المقبلة من الأصعب في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، حيث تواجه إسرائيل الجبهة الإيرانية وغزو لبنان والوضع الداخلي الذي من المرجح أن يشعر بالضغط.