الدبابات الإسرائيلية إلى صيدا… إلّا في حالة واحدة
إلى أي مدى قد تذهب الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»؟ ما هو الواقع الميداني الحقيقي في الخطوط الأمامية لجبهة القتال؟ ما هي الأهداف الإسرائيلية للحرب وما هي السياسات الأميركية الفعلية؟ وما هي الأجوبة الأميركية والإسرائيلية على رسالة نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن استعداد الحزب للتفاوض على وقف إطلاق النار؟
أولاً، إنّ إسرائيل، بعد ما حققته من فوز تكتيكي هائل باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله وكبار من قيادات الحزب ونخبة الرضوان، وقتل آلاف اللبنانيّين وتدمير مئات المباني وتهجير مليون مواطن، ليست في وارد وقف عدوانها وعملياتها الحربية في المدى المنظور، معتبرةً أنّ الحزب أصبح ضعيفاً، وأنّ الفرصة مؤاتية لسحقه وشلّ قدراته. وبالتالي لا هي ولا الولايات المتحدة الأميركية في وارد قبول العودة إلى البحث في وقف لإطلاق النار قريباً.
ماذا تريد إسرائيل؟
يتمسّك الإسرائيليون بمجموعة من الخيارات:
1- نزع سلاح «حزب الله» بالقوة تنفيذاً للقرار 1559. وبالتالي شنّ هجوم بري يصل إلى نهر الأولي وصيدا، حيث يمكن للجيش الإسرائيلي أن يأخذ وقته في تدمير مخازن أسلحة «حزب الله» على أوسع مساحة ممكنة.
2- احتلال المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود، وربط انسحابهم بشرط إصدار قرار جديد في الأمم المتحدة أكثر صرامة وحزماً من القرار 1701، يضمن آليات تنفيذية لمنع عودة مقاتلي «حزب الله» إلى الحدود في جنوب لبنان. وهذا الهدف قد يتطلّب عدواناً طويلاً جداً في لبنان.
3- خلق منطقة عازلة بقوة النيران ضمن حدود 5 إلى 7 كيلومترات عمقاً في جنوب لبنان، تحت ذريعة تطمين سكان شمال إسرائيل للعودة إلى منازلهم ومنع «قوة الرضوان» من شنّ عملية هجومية مشابهة لهجوم «حماس» في 7 أكتوبر العام الماضي.
ولكن، في كل السيناريوهات، لن يتوقف تقدّم الدبابات الإسرائيلية ما دامت قادرة على تحريك عجلاتها، إلّا في حال تدميرها ميدانياً من قِبَل مقاتلي الحزب، وهو احتمال قوي جداً، بعدما احتوى الحزب أزمته وأعاد تنظيم قيادته وخططه.
ما هو الموقف الأميركي؟
انطلاقاً من الخسائر التي لحقت بالحزب، وبعد رفض اقتراحاتها السابقة بوقف النار والفصل بين لبنان وغزة، وعشية الانتخابات الرئاسية في أميركا، تسعى الولايات المتحدة الآن إلى إفساح المجال أمام تغيير جذري في ميزان القوى في لبنان.
واشنطن تتبنّى الموقف الإسرائيلي بأنّ القرار 1701 لم يَعُد كافياً ولا شافياً، وأنّه يفتقر إلى آلية تنفيذية تضمن بقاء «حزب الله» بعيداً من الأراضي الإسرائيلية.
تريد واشنطن أيضاً، أن يتمكن لبنان ممّا تسمّيه «كسر السيطرة الخانقة التي يمتلكها «حزب الله» على البلاد وإزالة الفيتو الذي يمارسه على انتخاب رئيس للجمهورية».
وبالتالي، لا يوجد أي مبادرة حقيقية لتفاوض أو حل ديبلوماسي خلافاً لما يقول بعض كبار المسؤولين.
ما هو الواقع الميداني الحقيقي في الخطوط الأمامية لجبهة القتال؟
يقول قيادي كبير في «حزب الله» لـ«الجمهورية»، إنّ وضع الجبهة في الجنوب أفضل بكثير ممّا كنا نريده، وإنّ التوغل الإسرائيلي محدود جداً ولا يتجاوز مسافة كيلومتر، وإنّ الجنود الإسرائيليين يسيرون أمام الدبابات وليس العكس، يأخذون صورة هنا، أو يرفعون علماً هناك، في إطار الدعاية الحربية والحرب النفسية، لا أكثر.
وتشير صور من الأقمار الصناعية نشرتها وسائل إعلام غربية، أنّ التوغّل الاستراتيجي غير موجود، إذ إنّ ما قطعه الإسرائيليّون وعرضته شاشات أجنبية هو عملياً في حدود 900 متر، من الشريط الحدودي الشائك إلى المنازل، ضمن منطقة زراعية. وهذا يعكس أنّهم لم ينجحوا في التقدّم العسكري بفعل مواجهة دفاعية قوية في المقابل.
واقع الحزب
هناك سوء فهم حول «حزب الله»، إذ إنّ الأميركيّين والإسرائيليّين وحلفاء لهما، يعتبرون الحزب مجرّد «ذراع إيرانية»، ممّا يعني أنّه إذا قتلت قادته، ستحلّ مشكلتك. غير أنّ الحزب، وعلى الرغم كثير من النقاش حوله، متجذّر في واحدة من أكبر المجتمعات اللبنانية، وقد أصبحت رمزيته جزءاً من الهوية الشيعية الجماعية. إنّها حرب وجودية يخوضها الطرفان ومن خلفهما حلفاؤهما، حرب حياة أو موت، ترسم بنتيجتها معادلات موازين القوى الإقليمية وخريطة النفوذ الجديدة في الشرق الأوسط.