لبنان في «فم التنين»… الحرب تستعر فهل تأتي التسوية على حُطام؟
تقاطعتْ المؤشراتُ التي أطلّتْ برأسها من قلْب المشهد العاصف الذي بدت «بلاد الأرز» في مهبّه أمس، من الجنوب والبقاع و«عودةً» إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، مروراً بإعلان «حزب الله» دخول الصواريخ الدقيقة للمرة الأولى الى الميدان، عند أن الأيام المقبلة تشكّل منعطفاً حاسماً في تحديد وُجهة «حرب لبنان الثالثة» وامتدادها على جبهة اسرائيل – إيران التي صارت على خط النار نفسه.
وجاء هديرُ المواجهات الالتحامية على الحافة الحدودية التي يَمْضي الجيش الإسرائيلي في توغله البطيء عبر بعض بلداتها، ودويّ الغاراتِ المروّعة، وكان أكثرها توحشاً في مدينة النبطية وضدّ مبنى بلديتها (حيث سقط رئيس البلدية و3 أعضاء وموظّفيْن) وقسماً من السرايا الحكومية، وغبار التفخيخ المُرْعب لجزءٍ من قرية محيبيب مُسح بكبسة زر، ليحجب صوتَ الدبلوماسية الذي خَفَتَ وكأن ثمة تسليماً بأنّ الميدانَ ما زال يحتاجُ إلى صولات وجولات من التطاحن قبل «ولادة من الخاصرة» لتسويةٍ يُخشى أن يَسبقها المزيدُ من تسويةٍ بالأرض لمناطق لبنانيةٍ، سواء لجعْلها «ميتة» إلا من سيطرةٍ إسرائيليةٍ في عمق 5 كيلومترات فتكون «متراساً» متقدماً لفرض شروط «اليوم التالي» أو لإكمال ما تقول تل ابيب إنه تقويض للقدرات العسكرية لحزب الله ومزيد من ضرب حلقات القيادة والسيطرة فيه.
وكما على جبهةَ لبنان التي تُركت للميدان ولتفاعلاتِ إعلان «حزب الله» بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أنها باتتْ حرباً قائمة في ذاتها وتَجاوزتْ معركة إسناد غزة، بما يضمر فكّ ارتباطٍ تكتيّ بينها وبين «الجبهة الأمّ» بعدما أعطى بنيامين نتنياهو إشاراتٍ إلى أنه لن يسير بأي وقف نار مع الحزب إلا بالتوازي مع صفقة لتبادل الأسرى مع «حماس»، ارتسمتْ كذلك على تخومِ المواجهة الاسرائيلية – الايرانية مَلامِحُ ركونٍ دولي إلى أن الضربةَ المرتقبة من تل أبيب لطهران باتت خارج أي قدرة على وقْفها وأن التعويل يبقى على أمرين:
– الأول «صمود» الهندسة التي رعتْها واشنطن لحدود هذه الضربة.
– والثاني نجاعة المعادلةَ التي بدا أن الولايات المتحدة أرستْها على قاعدة تخفيف حدّة الضربة الاسرائيلية وفي الوقت نفسه امتصاص حدّة أي ردّ إيراني على الردّ عبر منظومة «ثاد»، وفي محاولة لـ «النفاذ» من تَقاطُعٍ مع إيران على عدم رغبة واشنطن في التورّط عسكرياً في الشرق الأوسط، وعدم مصلحة طهران في تعزيز الحضور الأميركي في المنطقة.
– وفي وقت كانت التقارير تضجّ بشبه اطمئنانٍ إلى أن تل أبيب لن تضربَ المنشآت النفطية والنووية الإيرانية بناء على وعود اسرائيلية، فإن وقائع الميدان اللبناني التي شهدت سقوطَ تطمينات مشابهة بعدم استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت (والعاصمة اللبنانية) أحيت المخاوف من «مفاجآت» قد يخبئها نتنياهو في اندفاعته نحو إيران و«تقليم أظافرها» بالتوازي مع ضرب أذرعها ومحاولة «قَطْعها» وفق ما تعبّر عنه طبيعة المواجهة «الشاملة» مع حزب الله في لبنان، وسط انطباعٍ بأن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية أمس على شبكاتٍ تقوم بتمويل الحزب هي في جانب منها في إطار رغبة في «تهدئة روع» تل أبيب عسكرياً وتأكيد «وحدة الهدف» وإن بوسائل أقلّ استجلاباً لمتاعب قد تخرج عن السيطرة.
ورغم أن استهدافَ الضاحية الجنوبية صباح أمس بعد انقطاع لنحو أسبوع بدا في سياق «تذكيري» بأنّ لا مهادنة مع حزب الله في أي بقعة في لبنان، وتأكيداً على رغبة في إنهاك بيئته بالنزوح المؤلم والمأسوي، فإنّ ما أعقب عودة الغارات على معقل الحزب الرئيسي وخصوصاً زنار النار الذي لف الجنوب والبقاع اعتُبر في إطار موجة جديدة من التصعيد المجنون لفرض وقائع عسكرية يتم تسييلها في أي تسويةٍ سياسية، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت بإعلانه أمس «ان أي مفاوضات في شأن لبنان لن تجري إلا تحت النار» وأن «نجاح إسرائيل كان هائلًا من اغتيال (السيد حسن) نصرالله إلى تدمير شبكات الاتصال والاستخبارات» العائدة لحزب الله، في الوقت الذي كان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يؤكد «ان المسعى الدولي القائم حالياً يتمحور حول إصدار قرار بوقف النار وتنفيذ القرار 1701».
واتّسم الميدان طوال ساعات نهار أمس بمواجهاتٍ ضارية متعددة الجبهة، ترافقتْ مع إشاراتٍ اسرائيلية إلى إصرار على المضي في الاغتيالات لقادة «حزب الله» وفق ما عبر عنه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الذي اعلن أنه سمع خطاب قاسم، معتبراً أنه «أخطأ كأسلافه الذين سبقوه. مضيفاً خلال زيارته لجنود أصيبوا في غارة للحزب في حيفا»هو ليس مخطئاً فحسب… بل أعتقد أن يومه سيأتي أيضاً«، في موازاة كلام لعضو حزب العمل الاسرائيلي منير مصري، قال فيه إن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري«هدف مشروع تماماً».
وانشدت الأنظار بالتوازي عسكرياً إلى محورين:
– المعارك الحدودية براً والتي اتّخذت زخماً أكبر مع زجّ الجيش الاسرائيلي بفرقة خامسة باتت معها عمليات التوغل ومحاولاته تجري على طول الحدود من الناقورة الى مزارع شبعا اي على امتداد نحو 100 كيلومتر، وصولاً لتقارير تحدثت عن أن إسرائيل بدأت بإزالة الألغام قرب الجولان ما اعتُبر إشارة إلى جبهة إسرائيلية أوسع ضد«حزب الله».
وجاء تفخيخ الجيش الاسرائيلي أحد أحياء بلدة محيبيب الحدودية وزعمه أنه يحتوي مقرات تحت الأرض لقوة الرضوان في حزب الله، ليؤشر إلى احتمال أن يكون نجح في التوغل في ميس الجبل وبليدا أو الالتفاف منهما، علماً أن النائب قبلان قبلان (من كتلة بري) أبلغ الى موقع «النهار» أنَّ«الجيش الإسرائيلي يدخل ميس الجبل لمسافة أمتار فقط، ثم يخرج»، مؤكداً أنه «ليس هناك تمركز داخل البلدة ولم تدخلها أي دبابة حتى الآن». وإذ لفت الى أن«المقاومين لا يتواجدون داخل البلدة، وإنما في نطاق معين ومُحدد وفقاً لتكتيكاتهم العسكرية»، شدد على أن«الإسرائيلي دخل من جانب بليدا وطوفا ليلتقط الصور ويروج لنفسه، مستفيداً من الكثافة النارية للغارات».
– الغارات الهستيرية وكان أكثرها ترويعاً في مدينة النبطية التي تعرّضت لما لا يقل عن 11 غارة غالبيتها بالتزامن، ما أدى إلى تدمير مبنى البلدية ووفاة رئيسها احمد كحيل والأعضاء صادق اسماعيل خضر قديح قاسم حجازي بالإضافة إلى مسؤول الإعلام محمد بيطار والموظف محمد زهري. كما تعرضت سرايا النبطية الحكومية لعدوان اسرائيلي حيث استهدف الطيران مدخلها الشرقي بغارة دمرت غالبية المكاتب الشرقية فيها ومدخلها وألحقت اضراراً بعشرات السيارات المركونة بجوارها.
وافادت وزارة الصحة بسقوط 16 شهيداً و52 جريحاً في مجزرة النبطية فيما اعمال البحث عن مفقودين مستمرة».
ولم تقل وحشيةً الغارات على بلدات عدة في الجنوب وصولاً إلى البقاع وإحداها على طريق رياق – بعلبك في البقاع ما أدى الى وقوع ضحيتين وإصابة عدد من العسكريين في الجيش اللبناني، وذلك غداة ليل شهد سقوط 7 ضحايا في غارة على رياق بينهم رضيع، واستهداف الطيران الحربي منطقة قانا ما أدى في حصيلة اولية الى 3 ضحايا ونحو 50 جريحاً ليعلن الجيش الاسرائيلي انه استهدف «قائد منطقة قانا في حزب الله جلال مصطفى حريري».
أسر مقاتلين!
وفي حين أعلن الجيش الاسرائيلي أسْر 4 من حزب الله بينهم قائد من قوة الرضوان غداة أسْر 3 آخرين (ليصبح مجموع الأسرى لديه 8)، ونَشَرَ فيديو لما قال إنه«هجمات سلاح البحرية بتعاون مع قوات الفرقة 146 في جنوب لبنان ضد منصات صاروخية ومباني عسكرية ومستودعات أسلحة لحزب الله»، زَعَمَ أن الغارات على النبطية كانت ضد «مبانٍ عسكرية ومقرات قيادة عسكرية ومستودعات أسلحة زرعها حزب الله بجوار مباني مدنية مستخدماً السكان دروعاً بشرية»، ومتحدثاً عن أن الحزب وضع ايضاً «مسار نفق في قلب قرية وتحت منازل مواطنين لبنانيين حيث تم تدمير المسار من قوات جيش الدفاع من اللواء 8 ووحدة يهلوم الهندسية».
«نصر – 1»
وإذ أشار إلى ان الغارات على الضاحية الجنوبية كانت على «مستودع أسلحة استراتيجية لحزب الله تم تخزينها في مستودع تحت الأرض»، نفّذ «حزب الله» سلسلة عمليات في العمق الاسرائيلي وضد تجمعات عسكرية قبل أن يكشف في فيديو عن دخول صاروخ «نصر 1» الدقيق «الذي تم تطويره من مهندسي المقاومة» إلى المعركة في 24 الجاري.
وأعلن الحزب أن الصاروخ يتميز بمدى يصل إلى 100 كيلومتر، مع رأس حربي يزن 100 كيلوغرام وقطر يبلغ 302 ملم. ويُعتبر هذا الصاروخ من نوع أرض – أرض، حيث «يمكنه استهداف الأهداف والمرافق الحيوية للعدو بدقة تصل إلى 5 أمتار».
ولفت إلى أن «نصر 1» يمتاز بقدرته على تضليل أنظمة الدفاع الجوي للعدو، ما يجعله منيعاً أمام التشويش.
عدوان النبطية
في موازاة ذلك، قالت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة جينين هينيس – بلاسخارت إنه يتعين حماية المدنيين في جميع الأوقات.
واضافت في بيان تعليقاً على الهجوم على النبطية ان «انتهاكات القانون الإنساني الدولي غير مقبولة على الإطلاق. ويتعين حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في الأوقات كافة»، معتبرة أنه «حان الوقت لأن توقف الأطراف المعنية كافة إطلاق النار فوراً وتفتح الباب أمام الحلول الدبلوماسية».
من جهته، دان ميقاتي «العدوان الاسرائيلي الجديد على المدنيين في مدينة النبطية والذي استهدف قصداً اجتماعاً للمجلس البلدي للبحث في وضع المدينة الخدماتي والاغاثي».
وقال «ان هذا العدوان الجديد، معطوفاً على كل الجرائم التي يرتكبها العدو الاسرائيلي في حق المدنيين، هو برسم العالم الساكت عمداً على جرائم الاحتلال، ما يشجعه على التمادي في غيّه وجرائمه».
وأضاف «اذا كانت كل دول العالم عاجزة عن ردع عدوان موصوف على الشعب اللبناني، فهل ينفع بعد اللجوء الى مجلس الامن للمطالبة بوقف النار؟ وما الذي يمكن ان يردع العدو عن جرائمه التي وصلت الى حد استهداف قوات حفظ السلام في الجنوب؟ وأي حل يرتجى في ظل هذا الواقع»؟