خاص- كي لا ننسى: القاتل واحد
الزلزال الأمني الذي ضرب بيروت في 14 شباط 2005 لم يدرك كثيرون في حينه أنه ليس سوى مقدمة لزلزال عسكري- سياسي، بحيث تكون، وبعكس قواعد الطبيعة، ارتدادات الزلزال أقوى وأشد خطورة من الزلزال نفسه. في ذلك اليوم انطلقت شرارة زوال الاحتلال السوري للبنان لتحل محلّه وصاية إيرانية متدحرجة، وإن بأيدي لبنانية، تؤمّن لها طهران المأكل والمشرب والسلاح والمال.. والأوامر.
في 14 شباط 2005 اغتيل الرئيس رفيق الحريري ومعه 21 شخصًا بانفجار ضخم في منطقة السان جورج. الوزير باسل فليحان كان مع الرئيس الحريري، أصيب في الانفجار وظل يعالج الى أن توفي بعد 64 يومًا متأثرًا بحروق طالت 65 بالمئة من جسده.
وبعد 15 عامًا على اغتيال الرئيس الحريري، وبعد 13 عامًا على عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تأسست عام 2007، أصدرت المحكمة في 18 آب 2020 أحكامًا غيابية بالسجن المؤبد على 3 أعضاء في “حزب الله” هم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي.
حزب الله سعى جاهدًا خلال هذه السنوات الى إبعاد الشبهة عنه، مرة بمحاولة اتهام اسرائيل بالعملية عبر شريط بثه عما قال انه مسيّرة اسرائيلية تراقب تحركات الحريري في بيروت، ومرة بمحاولة اتهام المتطرفين السنة السلفيين بالعملية. ولما لم ينجح في المحاولتين انتقل الى التشكيك بعمل المحكمة وتحقيقاتها كمقدمة لعدم الاعتراف بالأحكام.
في 30 نيسان 2005 انسحبت سوريا مرغمة من لبنان، لكن الاغتيالات استمرّت.
في 2 حزيران 2005 اغتيل الصحافي سمير قصير عن طريق قنبلة وضعت في سيارته في الأشرفية.
من اغتاله؟ سؤال ظل بلا إجابة الى اليوم.
في 21 حزيران 2005 اغتيل المناضل اليساري جورج حاوي بعبوة ناسفة وُضعت في سيارته في منطقة وطى المصيطبة.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 12 كانون الأول 2005 اغتيل النائب جبران تويني بتفجير سيارة مفخخة في منطقة المكلس.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 21 تشرين الثاني 2006 اغتيل النائب بيار الجميل برصاص ثلاثة مسلحين أطلقوا النار على سيارته في منطقة الجديدة.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 13 حزيران 2007 اغتيل النائب وليد عيدو بتفجير سيارته في بيروت، ما أدى أيضًا الى مقتل نجله خالد الذي كان معه و4 مواطنين.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 19 أيلول 2007 اغتيل النائب أنطوان غانم بتفجير سيارة مفخخة في منطقة سن الفيل.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 12 كانون الأول 2007 اغتيل اللواء فرنسوا الحاج بتفجير سيارة مفخخة لدى مرور سيارته في بعبدا.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 25 كانون الثاني 2008 اغتيل الرائد في قوى الأمن الداخلي وسام عيد بتفجير سيارة في منطقة الحازمية.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 12 شباط 2009 اختُطف المهندس جوزيف صادر على طريق المطار بعد خروجه من عمله في المطار، وتم نقله الى الضاحية الجنوبية ثم اختفى أثره ولا يزال. بعد الحادثة قيل أن صادر راح ضحية موقعه “الحساس” في المطار الذي يمكنه من الحصول على معلومات تخاف أطراف معيّنة من أن تخرج الى العلن.
من خطفه وما هو مصيره؟ لا جواب.
في 19 تشرين الاول 2012 اغتيل رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن بانفجار في الأشرفية.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 27 كانون الأول عام 2013 اغتيل الوزير محمد شطح بتفجير في عين المريسة.
من اغتاله؟ لا جواب.
في مطلع آذار 2017 قُتل رئيس شعبة مكافحة المخدرات وتبييض الأموال العقيد المتقاعد في الجمارك جوزيف سكاف في ظروف غامضة أمام منزله في بيت الشعار في المتن الشمالي. والجدير بالذكر أن سكاف كان قد حذر رؤساءه خطيًا من خطورة شحنة نيترات الأمونيوم التي كانت موجودة في المرفأ وطالب بإزالتها.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 2 كانون الأول 2020 (بعد نحو أربعة أشهر من انفجار مرفأ بيروت) عُثر على رئيس شعبة مكافحة التهريب في المرفأ العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي مقتولًا بواسطة آلة حادة في سرسره في منزله الصيفي في قرطبا.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 21 كانون الأول 2020 اغتيل المصوّر جو بجاني بالرصاص أمام منزله في الكحالة على يد مجهولين وعلى مرأى ومسمع من زوجته وابنتيه الذين غادروا البلاد بعدما يئسوا من معرفة الحقيقة. وذكرت معلومات أن جو كان التقط مجموعة صور للمرفأ ومن بينها العنبر الذي يحتوي على النيترات قبل مدة وجيزة من الانفجار.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 4 شباط 2021 عثر على جثة الناشط السياسي لقمان سليم داخل سيارته في الجنوب وهي مصابة بست رصاصات.
من اغتاله؟ لا جواب.
في 2 آب 2023 اغتيل الناشط في “القوات اللبنانية” الياس الحصروني بطريقة احترافية أوحت وكأنه توفي نتيجة حادث سير في بلدته عين إبل في جنوب لبنان.
من اغتاله؟ لا جواب.
-في 7 نيسان 2024 تم خطف منسق حزب “القوات اللبنانية” في منطقة جبيل باسكال سليمان الذي وُجد مقتولًا بعد ساعات على الأراضي السورية. التحقيقات الأولية أشارت الى أن الحادثة ناتجة عن عملية سرقة، إلا أن هذه الرواية لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية سياسيًا وشعبيًا.
من اغتاله؟ لا جواب حتى الساعة، وعلى الأرجح لن يأتي الجواب أبدًا.
كما سجلت في الفترة نفسها محاولات اغتيال بمتفجرات لم تحقق أهدافها بحق الوزير مروان حمادة، والوزير الياس المر، والإعلامية مي شدياق، والعقيد في قوى الأمن الداخلي سمير شحادة.
من يقف وراء هذه المحاولات؟ لا جواب.
وبالإضافة الى هذه اللائحة من الشهداء والضحايا، شهدت الفترة نفسها لوائح أخرى مماثلة لضحايا وشهداء سقطوا خلال ثلاثة أحداث أساسية:
-حرب تموز 2006 التي بدأت بعملية “الوعد الصادق” وانتهت بنصر إلهي بعد استجداء القرار 1701 سقط فيها بين 1000 و1200 قتيل وآلاف الجرحى، فضلًا عن خسائر مادية كارثية.
-في 7 أيار 2008 رد “حزب الله” على قرارين حكوميين يتناولان الاتصالات والمطار بمهاجمة المدنيين الآمنين في بيروت والجبل موقعًا 71 قتيلًا وعشرات الجرحى. وفي ما بعد وصف الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله أحداث السابع من أيار ب”اليوم المجيد”.
-في 4 آب 2020 وقع انفجار مرفأ بيروت الذي صُنّف كأشد انفجار غير نووي في العالم. تسبب الانفجار بمقتل أكثر من 220 شخصًا وإصابة أكثر من 6500 شخص بجروح وبدمار واسع في المرفأ وعدد من أحياء العاصمة. ليس مهمًا كيف وقع الانفجار، انما المهم كيف دخل 2750 طنًا الى مرفأ بيروت ولمصلحة من، وكيف تمكن مدخلهم من إبقائهم في أحد عنابر المرفأ لنحو ثماني سنوات. ربما تكون العناية الإلهية قد أنقذت بيروت لأن الخبراء المحليين والأجانب أن أكثر من نصف الكمية لم تكن في العنبر ساعة الانفجار، فيما أكدت مصادر متابعة أن الكميات المسحوبة سرًا كانت تذهب الى سوريا ليحولها نظام بشار الأسد براميل متفجرة يستخدمها في حربه ضد معارضيه.
-في 8 تشرين الأول 2023 أعلن السيد حسن نصرالله الحرب على إسرائيل نصرة لغزة وتطبيقًا لمبدأ وحدة الساحات الذي اعتمده محور الممانعة.هذه الحرب المستمرة الى اليوم، والتي ترفضها أغلبية الشعب اللبناني، أدت حتى الآن الى سقوط نحو 350 قتيلًا وعشرات الجرحى.
أما بعد، لا يزال البعض يسأل كيف وصل الوضع في البلاد الى هذا الانهيار، وبالتالي من هو المسؤول عن هذا المصير؟
إنه بالتأكيد “حزب الله”، سواء كان المسؤول المباشر عن هذه الجرائم أو لم يكن، لأنه المسؤول المباشر عن تقويض الدولة لوضع يده عليها، وهو ما حققه بالفعل، وأصبح بالتالي مسؤولًا عن كل ما يصيب مواطنيها. وبالرغم من ذلك ما زال بعض السياسيين يخطئ عندما يتحدث عن “دويلة حزب الله”، لأن الواقع يقول أن الدولة أصبحت “دولة حزب الله”، فيما السلطة الشرعية تحوّلت الى دويلة في المناطق المسيحية وضواحيها، على أمل أن تستعيد سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، وإن بعد حين.