لا بشائر قريبة بوقف إطلاق النار والحزب يراهن على الميدان لعدم خسارة أوراقه
تمضي إسرائيل في تصعيد عملياتها الحربية التي بلغت وسط بيروت للمرة الأولى بعد غارتين على الكولا والباشورة في محاولة لاستهداف مسؤول الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، في وقت تستمر قواتها في التوغل البري المحدود عبر الحدود الجنوبية، وفي إصدار الإنذارات لسكان القرى والبلدات الجنوبية بإخلائها وبعضها يقع شمال نهر الليطاني.
أما التطور البارز فهو انتقاد إسرائيل قوات «اليونيفيل» لعدم تنفيذها القرار 1701 وعدم منعها وجود أسلحة جنوب نهر الليطاني، وتوجيه المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة طلباً لقوات «اليونيفيل» لإخلاء مواقعها لغاية مسافة 5 كيلومترات من الحدود بعد اعتداء وصف بالمتعمّد على برج مراقبة واعتداء ثان على المدخل الأساسي لمقر قيادة «اليونيفيل» ما يؤشر إلى نية واضحة لدى تل أبيب أولاً لفرض أمر واقع يمهّد لتغيير مهمات قوات «اليونيفيل» بما يتوافق مع الفصل السابع بعد فشل المحاولات السابقة لتعديل مهمة القوات الدولية بسبب رفض لبنان الرسمي، وثانياً لتوسيع دائرة التوغل البري وتكثيف العمليات وهو ما يرسم سيناريوهات قاتمة على قابل الأيام في غياب الآمال الجدية على إمكانية لجم الاندفاعة الإسرائيلية من خلال التحرك الفرنسي والمحاولات المتكررة عبر جلسات مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار، وهو ما أيّده نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي فوّض «الأخ الأكبر» نبيه بري بمتابعة الأمر، ساعياً في الوقت عينه إلى محاولة إعادة شيء من التوازن على الجبهة في الجنوب وتصعيد القصف الصاروخي على المستوطنات الشمالية وصولاً إلى صفد وحيفا وضواحي تل أبيب لإظهار مشهد متماسك للحزب وتحسين ظروف التفاوض بعد الخسائر التي تكبّدها «الحزب» بسلسلة الاغتيالات وخصوصاً باغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله وغموض مصير رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين والعديد من القادة العسكريين.
وما زال «حزب الله» يصرّ على أنه يمتلك أوراق قوة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فشل في تحقيق أهداف الحرب ولم يستطع إعادة المستوطنين إلى الشمال ولن يستطيع القضاء على «الحزب» أو إجباره على الانسحاب إلى شمال الليطاني، في وقت يبدو أن طموحات نتنياهو باتت أبعد من تراجع «حزب الله» إلى شمال الليطاني وتطبيق القرار 1701 ما يعني أن لا بشائر قريبة بوقف إطلاق النار على الرغم من المساعي الدبلوماسية المتواصلة بين الداخل والخارج، حيث تسعى باريس لإقناع لبنان الرسمي بإعلان الموافقة على التطبيق الكامل للقرار 1701 لنزع الذريعة من يد نتنياهو للاستمرار بالحرب بما يفتح الباب أمام انطلاق المسار السياسي وفقاً لما ورد في النداء الأمريكي الفرنسي بالتنسيق مع دول عربية وأوروبية. ومن هنا، أطلّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليعلن شخصياً بعد جلسة مجلس الوزراء القرار «طلب لبنان إلى مجلس الأمن لإتخاذ قرار بالوقف التام والفوري لإطلاق النار، مع التشديد على التزام الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة لا سيما في شقه المتعلق بنشر الجيش في جنوب لبنان وتعزيز حضوره على الحدود اللبنانية بما من شأنه أن يضمن تنفيذ هذا القرار».
ولكن على الخط الإسرائيلي، هناك رفض للعودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 حيث كان «حزب الله» يحتفظ بظل القرار 1701 بترسانة عسكرية ويستطيع تهديد الكيان الإسرائيلي في أي وقت، وأصبح القرار 1559 عنوان المرحلة الراهنة في تل أبيب وسط غض نظر أمريكي لإضعاف قدرات «الحزب» بما يفقده الهيمنة على لبنان بفعل فائض القوة والتمهيد لانتخاب رئيس جمهورية سيادي يعيد خلط الأوراق ويتولى التفاوض حول اليوم التالي للحرب مع حكومة شرعية كاملة المواصفات لا يسيطر على قرارها الثنائي الشيعي.
من هنا، يُفهم كلام الشيخ نعيم قاسم وسواه من مسؤولي «الحزب» الذين يراهنون على عدم الانكسار في الميدان للحفاظ على أوراق القوة، والذين خرجوا إلى الإعلام لبث العزيمة في نفوس المقاتلين والبيئة الحاضنة وترداد ما قاله قاسم حول «أن الميدان يحسم ولن نستجدي حلاً» معتبراً «أن هذه الحرب هي حرب من يصرخ أولاً ونحن لن نصرخ بل سنستمر وسنضحي وسنقدم وإن شاء الله تسمعون صراخ العدو». وجاء قول قاسم إنه «قبل وقف إطلاق النار أي نقاش آخر لا محل له بالنسبة إلينا» ليدلّل على تمايز «حزب الله» عن الرئيس نبيه بري وما صدر عن اللقاء الثلاثي في عين التينة مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول خارطة طريق تتضمن إلى وقف إطلاق النار تطبيقاً للقرار 1701 وانتخاباً لرئيس توافقي وليس رئيس تحد.
ويتخوّف «الحزب» من انتخاب رئيس في هذه المرحلة لا يتوافق مع الشعار الذي سبق للسيد حسن نصرالله أن أطلقه في فترة الشغور الرئاسي أي «رئيس يحمي ظهر المقاومة» بعدما توالى على سدة الرئاسة الأولى منذ اتفاق الطائف رؤساء قريبون من سوريا ومحور الممانعة باستثناء الرئيس ميشال سليمان الذي دفع في اتجاه إقرار الاستراتيجية الدفاعية ورعى حواراً أفضى إلى «إعلان بعبدا» الذي دعا صراحة في بنده الثاني عشر إلى «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات» وحاول بحث الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله، قبل أن يخرج رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد لينعى «الإعلان» ويعتبر أنه «ولد ميتاً ولم يبق منه إلا الحبر على الورق». في ضوء ما تقدّم، تبدو الساحة اللبنانية أمام مفترق طرق: فهل تكون هذه الساحة أمام مشهد اجتياح عام 1982 عندما تخطت الدبابات الإسرائيلية نهر الليطاني ووصلت إلى العاصمة بيروت، أم ستكون أمام مشهد حرب تموز/يوليو 2006 حيث خرج «حزب الله» ليتحدث عن صمود وانتصار