لِمَ يتعمّد الحزب الغموض في تسمية أمينه العام؟

لِمَ يتعمّد الحزب الغموض في تسمية أمينه العام؟

الكاتب: غادة حلاوي | المصدر: المدن
9 تشرين الأول 2024
بقوله” ليس لدينا موقع شاغر في حزب الله”، عكس الشيخ نعيم قاسم تخطي حزب الله لاغتيال قياداته وإنجاز ترتيبات قيادية ولو مؤقتة، بما يؤمن “القيادة والسيطرة وإدارة الحزب”، واعداً بانتخاب الأمين العام “وفق الآليات التنظيمية. وسنعلن ذلك في حينه”.

وإلى أن ينجلي مصير رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، السيّد هاشم صفي الدين، سيبقى مصير خليفة الأمين العام السيد حسن نصرالله مجهولاً. إذا صحّت الأنباء عن استهداف السيّد صفي الدين، وعدد من القياديين، بغارة إسرائيلية، فإن عملية اختيار الخلف باتت معقدة. كان السيّد صفي الدين من الأسماء المرشحة لخلافة السيّد نصرالله، أو أقلّه هذا ما كان متداولاً عقب الاغتيال مباشرة. لكن رأياً آخر يقول إن اسم صفي الدين كان من بين الأسماء المتداولة وبينها، إلى نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، السيد إبراهيم أمين السيّد وآخرين.

واذا كان الإسم غير مؤكد، فالأمر الوحيد المؤكد أن الأمين العام سيكون رجل دين معمّم. وهذا شرط ضروري في “حزب الله”، حتى ولو كان بين القادة المدنيين من يزيده قوة وتأثيراً. يقول المواكبون إن التعيين لن يكون قريباً، طالما أن كلّ أمين عام بات هدفاً للغارات الإسرائيلية، وستتداخل فيه عوامل كثيرة وشروط تتناسب ودقة المرحلة، وسيحتاج إلى تكليف شرعي من المرشد الأعلى، بالنظر إلى صعوبة المسؤولية لاسيما في زمن الحرب.

الامتحان الصعب
ليس سهلاً على أي شخصية دينية أو غير دينية في “حزب الله” القبول بأن تكون خليفة للسيّد نصرالله. هو نفسه تهيّب الموقف يوم وقع عليه الاختيار ليكون خليفة الأمين العام السابق عباس الموسوي، الذي قضى جراء غارة إسرائيلية استهدفته وعائلته. يوم تسلّمه مهامه، اعتبر نصرالله إنه لامتحان صعب أن يخلف أستاذه في تولي منصب الأمين العام. يومها توقعت إسرائيل، كما اليوم، نهاية “حزب الله” بقتل أمينه العام. مشهد شباط 1992 يتكرّر راهناً مع اغتيال نصرالله، لكن ظروف تسمية الخليفة هذه المرة لن تكون سهلة لاعتبارين: الأول، هو الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان، والثاني أن مجموعة من قيادات حزب الله ومسؤوليه الأمنيين والسياسيين قضوا بفعل هذه الاعتداءات. حتى من كان أقرب ليكون الخليفة، السيّد صفي الدين يلفّ مصيره الغموض. ترجيحات اغتياله وفريق عمله تعزز حظوظ آخرين.

ضرورة التعيين
على أن عملية الاختيار إجراء جوهري وحاسم في إعادة تصويب الوضع التنظيمي للحزب، على مستوى القيادة والسيطرة، بعد الضربات الكبرى التى طاولت قيادته العليا والأساسية ولاسيما على المستوى العسكري. ويدفع اختيارالخليفة إلى مقاربة ومقارنة واقعتين لدى الحزب وجمهوره، ولدى المعنيين، نظراً للكاريزما التي تمتع بها نصرالله، وهو الذي تميّز بقربه من جمهوره ومناصريه، بالرغم من ابتعاده الحسي عنهم بسبب الإجراءات الأمنية وعدم ظهوره العلني، وقلة استقبالاته المسؤولين والرسميين إلا من اضطر إليه سبيلاً. يضاف هذا إلى المخزون الفكري لدى الجيل المؤسّس للحزب كقيادي مميّز، ومتفوّق على أقرانه والتى اكتسبها من حسن المقدرة على مخاطبة الناس بأسلوب بسيط وعميق في آن، بعيداً عن التكلّف والتصنع والمبني في كثير من الأحيان على فطرية سهلة وممتنعة. عدا عن الإنجازات التى أسهمت في صعود نجمه القيادي ومنها لبننة الحزب، وجعله ذا أبعاد لبنانية واندماج في الخصوصية اللبنانية، ومن ثم إيقاف الصراع الشيعي- الشيعي بين حزب الله وحركة امل، وإنجاز التحرير للجنوب عام 2000، وإدارته الشخصية لحرب تموزعام 2006.

تستدعي عملية الاختيار، والتي ستسلك الطرق التنظيمية والاعتبارات الدينية، جهدًا هائلًا في تمكن الخليفة من إدارة الأمور وقيادتها، ولاسيما مع ارتفاع منسوب المواجهات العسكرية على الحدود اللبنانية مع القوات الإسرائيلية، التي تمهّد لاجتياح غير محدّد المعالم والأطر، فضلاً عن وصول الاعتداءات الإسرائيلية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وغيرها من المناطق، مثل كسروان وطرابلس والشوف.

دقة الظروف
تقول مصادر مواكبة إن “الظروف الاستثنائية الراهنة تفرض على حزب الله تجاوز الآلية التنظيمية المتعارف عليها في انتخاب الأمين العام الجديد. كان المرجح أن يصار إلى عقد اجتماع اسثنائي للهيئة المعنية بالانتخاب، ليس معلوماً إذا ما كان اجتماعاً كهذا قد انعقد فعلاً وكان هدفاً للغارات الإسرائيلية، أم أن حزب الله يتريث في التسمية لأن أي شخصية يصار إلى تعيينها ستكون هدفاً لإسرائيل حكماً”.

لكن التهديد يفرض التوافق على شخصية تكون موضع إجماع المكتب السياسي والمجلس القيادي ومجلس الشورى والمجلس التنفيذي وكتلة الوفاء للمقاومة. كلها هئيات مركزية مؤثرة في صناعة القرار.

ثمة رأيان متداولان في الأروقة الضيقة: رأي يقول ان صفي الدين كان هو المرشح الأبرز لكونه الأقرب إلى السيد نصرالله، بما يعيد مشهد تنازل نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم عن الرئاسة ثانية، مثلما سبق وتنازل عنها لصالح نصرالله يوم استشهاد الموسوي. كان أغلب الظن لدى مناصري هذا الرأي أن الظرف يحتم وجود شخصية قيادية متماسكة قريبة من شخصية السيد، غير متشدّدة وتتمتع ببعد وطني لبناني في مقاربتها للأوضاع. رأي آخر يرجح الاتجاه نحو شخصية أخرى من خارج الأسماء المتداولة لكن ليس قبل نهاية الحرب.

دور إيران
لا شك ان دور إيران أساسي هنا، لأن حزب الله في عقيدته واتباعه مبدأ الولي الفقيه والمرجع القائد، يجعل قرارها ورأيها هو الغالب، مع الأخذ في الاعتبار حكماً الوقائع اللبنانية وواقع حزب الله لاسيما بعد الضربات المؤلمة التي مني بها، والتي كان أشدها استهداف أمينه العام ثم رئيس مجلس الشورى وقادة آخرين. إلى ذلك الحين، سيبقى الشيخ قاسم في موقعه كنائب للأمين العام ويمارس مهامه في تصريف الأعمال. لكن هذا لا يلغي أن حزب الله تجاوز قطوع الضربات الموجعة وشكل قيادته لإدارة الحرب. ولكنه سيتبع سياسة الغموض في الإعلان عن الترتيبات والأسماء وخصوصاً لشخص الأمين العام الذي يرصد العالم هويته.
والكلمة اليوم للمجلس العسكري وأهل الميدان.