لماذا يجب على النساء أن يمارسن النميمة!

لماذا يجب على النساء أن يمارسن النميمة!

الكاتب: العنود المهيري | المصدر: النهار
12 تشرين الأول 2024

حينما أتت عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية أوني ويكان إلى مدينة صحار العمانية في سبعينات القرن الماضي، لاحظت من خلال اختلاطها بالنساء خصوصاً، أنها في حضرة مجتمع يكاد ينعدم فيه القيل والقال. اللغة المستخدمة كانت الستر، حتى على مرتكبي “الكبائر” كالخيانة الزوجية، والسائد كان تحاشي الأسماء عند سرد حكايات الآخرين.
إنها فضيلة عظيمة حقا، ولكن الضيفة النرويجية لم تُعجب بها بالضرورة في كتابها “خلف الحجاب: النساء في عمان”.
لاحظت ويكان جهل النساء بحقوقهن المتزايدة، على رغم أنهن كن في عصر النهضة التي أرساها السلطان قابوس بن سعيد –رحمه الله-. فمن يعنّفها زوجها لا تعتقد أنها تستطيع الشكوى إلى الوالي، ومن تخشى الطلاق لا تدرك أحقيتها بحضانة الأبناء، ومن حرمها والدها من مدرستها الابتدائية ليزوّجها استسلمت لإرادته.
بل أتذكر تحديدا قصة خديجة التي لم تعلم حتى بأن القانون سيلزم زوجها حميد باصطحابها لزيارة والديها كل أسبوعين، فعاشت محرومة منهما طول العام باستثناء عيدي الفطر والأضحى!
توصلت ويكان، وبعد فترة من معايشة ذلك المجتمع الخليجي البسيط، إلى أنه لو كانت النساء يتحدثن بأريحية عن مصائبهن، ومصائب بعضهن بعضاً، ويتناقلن التجارب، وما يُعرف بـ”أسرار” البيوت، ويتبادلن الخبرات والعثرات، لما تفشى فيهن الجهل بما لهن وبما عليهن.
فلو تحدثت -مثلا- الساخطة على سلب مهرها، و”فضحت” والدها أو شقيقها في مجتمعها النسائي باعتباره لصاً، ثم شرحت المعاناة التي تتكبدها، والإجراءات القانونية التي تسلكها، لما بقيت من تصمت عن ظلم مشابه.
ولكن المجتمعات كانت سبّاقة الى ابتكار تسمية سلبية لمكاشفة النساء بعضهن بعضاً: النميمة، فشنعت عليها، وحرّمت الخوض فيها. أدركت المجتمعات أن النساء لو تصارحن من دون قيود لأمطن اللثام عن المجرمين والمسيئين، وحمين الأخريات.
وإن لم أقتنع باستنباط ويكان حينها، اقتنعت بمتابعة حيثيات اتهام أكثر من 100 امرأة محمد الفايد بالاعتداء الجنسي عليهن. إنها قبيلة كاملة من النساء -!-، فكيف أبقى على الغالبية العظمى منهن تحت السيطرة حتى وفاته؟
ببساطة، لأنه أفلح –بخبثه البالغ- في حظر “النميمة”، ذلك المصباح الذي تنير به النساء دروب بعضهن بعضاً إلى الحقائق.
تشير الضحايا، خصوصا ممن كن يعملن في متجر “هارودز” الشهير، إلى أن الفايد أوهمهن بزراعته كاميرات تجسسية، وبتنصته على الهواتف. “لم تستطع أي من الفتيات التكلم مع بعضهن بعضاً”، تقول ضحية تُدعى صوفيا، فتم عزلهن، وإسكاتهن، وإشعار كل منهن بأنها ستجابهه بمفردها. لقد قطع حبل الإنقاذ الذي تمده النساء لبعضهن بعضاً، والذي كان من الممكن أن يقتصر على عبارة “أتعلمين بأن فلانا مغتصب؟”، فأعماهن عن وجود الضحايا الأخريات، وأعمى “المستجدات” عن نواياه تجاههن، وخرج بأقل الخسائر الممكنة.
نعم، “النميمة” مهمة، و”القيل والقال” مطلب ملح لسلامتنا. وربما القليل فقط من هذه “الثرثرة النسائية” المُستقبحة كان ليطيح بوحش كالفايد قبل فوات الأوان.